إخفاق بأثر رجعي

| عباس العمران

وقع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬كتاب‭ ‬ذو‭ ‬قيمة‭ ‬علمية‭ ‬كبيرة،‭ ‬كنتُ‭ ‬قد‭ ‬ابتعته‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬الكتاب‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬يتحدث‭ ‬الكتاب‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬نجاح‭ ‬لمديرين‭ ‬تنفيذيين‭ ‬استعان‭ ‬بهم‭ ‬مستثمرو‭ ‬المؤسسات،‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬مؤسساتهم‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬مثيلاتها‭ ‬ويعوضوا‭ ‬خسارتها‭ ‬بالربح،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فإن‭ ‬العرض‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬التفاوض‭ ‬عليه‭ ‬بين‭ ‬المستثمر‭ ‬والمدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مُرْضيًا‭ ‬ومغريًا‭ ‬للطرفين،‭ ‬فالمستثمر‭ ‬يريد‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬وضمانًا‭ ‬أكيدًا‭ ‬من‭ ‬المدير،‭ ‬ليتبين‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬المؤسسة‭ ‬من‭ ‬حالها‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬أفضل،‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الخاسر‭ ‬إلى‭ ‬الرابح‭ ‬والناجح،‭ ‬أما‭ ‬المدير‭ ‬فيفاوض‭ ‬على‭ ‬المقابل‭ ‬المادي‭ ‬والامتيازات‭.‬

وجميع‭ ‬ذلك‭ ‬مقبول‭ ‬ولا‭ ‬غبار‭ ‬عليه‭ ‬وحقٌ‭ ‬للطرفين،‭ ‬لكن‭ ‬الطريف‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬تطرق‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬قصة‭ ‬تثير‭ ‬الضحك‭ ‬والسخرية‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت،‭ ‬فبينما‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬المستثمرين‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مدير‭ ‬تنفيذي‭ ‬لينقذ‭ ‬مؤسسته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬السقوط؛‭ ‬رشح‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائه‭ ‬شخصًا‭ ‬له‭ ‬خبرة‭ ‬إدارية‭ ‬طويلة،‭ ‬ومؤهله‭ ‬العلمي‭ ‬عال،‭ ‬وأكد‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يبحثُ‭ ‬عنه‭ ‬قطعًا‭. ‬وبلا‭ ‬تردد‭ ‬حدد‭ ‬الموعد‭ ‬معه،‭ ‬وكان‭ ‬اللقاء‭ ‬بينهما،‭ ‬وعندما‭ ‬سأله‭ ‬عما‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭ ‬ليقفز‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬من‭ ‬الفشل‭ ‬إلى‭ ‬النجاح؛‭ ‬أجاب‭ ‬وهو‭ ‬يمطُ‭ ‬شفتيهِ‭ ‬غروراً‭ ‬واستكباراً‭ ‬“بالطبع‭ ‬يمكنني‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ظرفِ‭ ‬عام‭ ‬فقط”‭! ‬ذلك‭ ‬الرد‭ ‬الواثق‭ ‬أقنع‭ ‬صاحب‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وجعله‭ ‬يوقع‭ ‬العقد‭ ‬مباشرة،‭ ‬وبالشروط‭ ‬التي‭ ‬طلبها‭ ‬المدير‭.‬

وبعد‭ ‬مرور‭ ‬عام،‭ ‬توالت‭ ‬أخبار‭ ‬الإخفاقات،‭ ‬وبدأ‭ ‬القلق‭ ‬يدب‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المستثمر‭ ‬ويشغل‭ ‬عقله‭. ‬“أعطني‭ ‬وقتاً‭ ‬أكثر،‭ ‬وسترى‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوة”،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬وعدًا‭ ‬من‭ ‬المدير‭ ‬البائس‭ ‬لمنحه‭ ‬فرصة‭ ‬أخرى‭. ‬استمر‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬السنوات‭ ‬حدث‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬حيث‭ ‬انحدرت‭ ‬المؤسسة‭ ‬إلى‭ ‬الهاوية‭ ‬وخسرت‭ ‬سمعتها‭ ‬السوقية،‭ ‬وأصبح‭ ‬متعذرا‭ ‬على‭ ‬المدير‭ ‬الاستمرار‭. ‬“إخفاق‭ ‬بأثر‭ ‬رجعي”‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمكننا‭ ‬إطلاقه‭ ‬وصفًا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسة‭. ‬لذا‭ ‬ينصحُ‭ ‬خبراء‭ ‬الإدارة‭ ‬بإجراء‭ ‬التعديلات‭ ‬التي‭ ‬تناسب‭ ‬المؤسسات،‭ ‬واستبعاد‭ ‬الأشخاص‭ ‬المتسببين‭ ‬بالإخفاق‭ ‬لإنقاذ‭ ‬المؤسسات‭ ‬والعاملين‭ ‬بها‭.‬