زبدة القول

“اللي ما له أول... ما له تالي”

| د. بثينة خليفة قاسم

العنوان‭ ‬أعلاه‭ ‬دلالة‭ ‬كافية‭ ‬على‭ ‬دحض‭ ‬كل‭ ‬معالم‭ ‬الافتتان‭ ‬بالنموذج‭ ‬التغريبي‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬فاليوم‭ ‬مع‭ ‬تعاظم‭ ‬النظرة‭ ‬الانبهارية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قادمٌ‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬بات‭ ‬لزاماً‭ ‬على‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬والنخبة‭ ‬الفكرية‭ ‬تمتين‭ ‬أواصر‭ ‬الجذور‭ ‬الثقافية‭ ‬للعرب‭ ‬والالتفاف‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتجديد،‭ ‬وهذا‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الاعتداد‭ ‬بالموروث‭ ‬الشعبي،‭ ‬وقديما‭ ‬قيل‭ ‬“إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬على‭ ‬حضارة‭ ‬وطن،‭ ‬فانظر‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬تعلق‭ ‬شعبه‭ ‬بتراثه”‭.‬

إن‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬والتعطش‭ ‬لفهم‭ ‬متغيراته‭ ‬“الجوانية”،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬البتة‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬هويتنا‭ ‬العربية‭ ‬الضاربة‭ ‬أطنابها‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬بإطلالة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬آتٍ‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬متطلبات‭ ‬العولمة،‭ ‬شريطة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراثنا‭ ‬وإرثنا‭ ‬العربي‭ ‬النفيس‭ ‬وعدم‭ ‬المساس‭ ‬بمكوناته،‭ ‬أو‭ ‬التلاعب‭ ‬بمقدراته‭.‬

ولا‭ ‬ننسى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬انشداه‭ ‬الغرب‭ ‬وعجزه‭ ‬عن‭ ‬مجاراة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬بالمنظومة‭ ‬القيمية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والروحانيات،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصلها‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬عن‭ ‬الموروثات‭ ‬الشعبية‭ ‬والتراثية‭ ‬لكل‭ ‬بلد‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬مخزوناً‭ ‬ثقافياً‭ ‬وحضارياً‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬وأصالة‭ ‬أهله‭.‬

واستطاع‭ ‬الكاتب‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬–‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬أن‭ ‬يوجز‭ ‬ذلك‭ ‬العجز‭ ‬أو‭ ‬التفاوت‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الآخر‭ ‬والتصادم‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬صغيرة،‭ ‬قد‭ ‬تجعل‭ ‬التقارب‭ ‬مستحيلاً،‭ ‬إذ‭ ‬عبر‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬الشهيرة‭ ‬“عصفور‭ ‬من‭ ‬الشرق”‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الحب‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬حيث‭ ‬الشرقي‭ ‬الذي‭ ‬رمز‭ ‬إليه‭ ‬الكاتب‭ ‬بالفتى‭ (‬محسن‭)‬،‭ ‬شاب‭ ‬رومانسي‭ ‬يعيش‭ ‬الرومانسية‭ ‬بحذافيرها‭ ‬ويستمتع‭ ‬بها،‭ ‬ويتعامل‭ ‬مع‭ ‬محبوبته‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط‭ ‬في‭ ‬الخيال،‭ ‬أما‭ ‬صديقه‭ ‬الغربي‭ ‬فيتعامل‭ ‬مع‭ ‬محبوبته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفهومه‭ ‬الخاص‭ ‬للحب‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العلاقة‭ ‬الجسدية‭.‬

ولقد‭ ‬أردت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬المثال‭ ‬الأدبي،‭ ‬تبيان‭ ‬أن‭ ‬الانغماس‭ ‬في‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الذوبان‭ ‬مسألة‭ ‬يستعصي‭ ‬هضمها‭ ‬لدى‭ ‬العقل‭ ‬البشري،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مستحيلة،‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬نتاج‭ ‬بيئته‭ ‬وتربيته،‭ ‬وإن‭ ‬انتقل‭ ‬بجسده‭ ‬جغرافياً‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عاداته‭ ‬وتقاليده‭ ‬الأصيلة‭ ‬تبقى‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬الباطن‭... ‬“المقال‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الإلكتروني”‭.‬