اتفاقية “آيسدا” والأزمات المالية المتعاقبة

| د. عبدالقادر ورسمه

اتفاقية‭ ‬“آيسدا”‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المالية‭ ‬المحاسبية‭ ‬المبرمة‭ ‬بين‭ ‬البنوك‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬البنوك‭ ‬والعملاء‭. ‬والاتفاقية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭ ‬بعملة‭ ‬واحدة‭ ‬وتسمى‭ ‬“اتفاقية‭ ‬العملة‭ ‬الواحدة”،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مختلفة‭ ‬ذات‭ ‬عملات‭ ‬متعددة‭ ‬وتسمى‭ ‬“اتفاقية‭ ‬العملات‭ ‬المتعددة”‭. ‬

واتفاقية‭ ‬“آيسدا”‭ ‬الرئيسية‭ ‬صادرة‭ ‬من‭ ‬الجمعية‭ ‬الدولية‭ ‬لمبادلة‭ ‬المشتقات‭ ‬وخضعت‭ ‬لتعديلات‭ ‬عديدة‭ ‬بعد‭ ‬الهزات‭ ‬والأزمات‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬البنوك‭ ‬العالمية‭. ‬نظرا‭ ‬لأنه‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬مصرفية‭ ‬تظهر‭ ‬ممارسات‭ ‬أو‭ ‬إخفاقات‭ ‬تتطلب‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تجاوزها‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬تأتي‭ ‬المقترحات‭ ‬والتعديلات‭ ‬للاتفاقية‭. ‬

وتم‭ ‬مناقشة‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الرئيسية‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬بعد‭ ‬الإفلاسات‭ ‬الكبيرة‭ ‬كقضايا‭ ‬“ليمان‭ ‬برز‭ ‬ورز”‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬المختلفة‭ ‬تم‭ ‬اختبار‭ ‬اتفاقية‭ (‬آيسدا‭) ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الأميركية‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الإجماع‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التقيد‭ ‬بالبنود‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الاتفاقية‭ ‬وأخذها‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬ككتلة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تتجزأ‭. ‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المحاكم‭ ‬الإنجليزية‭ ‬نظرت‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭ ‬عملاء‭ ‬البنوك‭ ‬استنادا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬البنوك‭ ‬قامت‭ ‬باستغلالهم‭ ‬وعدم‭ ‬توضيح‭ ‬كل‭ ‬المخاطر‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية‭ ‬وأنهم‭ ‬كعملاء‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يقعوا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الجهات‭ ‬“المؤهلة”‭  ‬فنيا‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بكل‭ ‬تعقيداتها‭ ‬المالية‭ ‬المحاسبية‭. ‬ولقد‭ ‬وقفت‭ ‬المحاكم‭ ‬القضائية‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬العملاء‭ ‬غير‭ ‬المتخصصين‭ ‬ممن‭ ‬يعرفون‭ ‬بـ‭ ‬“الانستتيوشنال‭ ‬انفسترز”،‭ ‬وهم‭ ‬لعدم‭ ‬تخصصهم‭ ‬يقعون‭ ‬في‭ ‬طائلة‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬إقحامهم‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬“الآيسدا”‭ ‬ومتاهاتها‭ ‬الفنية‭ ‬المعقدة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يجب‭ ‬علي‭ ‬البنوك‭ ‬الحذر‭ ‬عند‭ ‬عرض‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬على‭ ‬العملاء‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬تبيان‭ ‬التفاصيل‭ ‬الضرورية‭ ‬للعملاء‭ ‬وتوضيح‭  ‬المخاطر‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتطبيق‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التعاملات‭ ‬المالية‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬متقلبة‭ ‬وكذا‭ ‬ذات‭ ‬مخاطر‭ ‬عالية‭. ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬توجيه‭ ‬العملاء‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬استشارات‭ ‬محاسبية‭ ‬قانونية‭ ‬قبل‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاقية‭.   ‬

عند‭ ‬اتفاق‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬“آيسدا”،‭ ‬هناك‭ ‬جداول‭ ‬خاصة‭ ‬ملحقة‭ ‬بالاتفاقية‭ ‬الرئيسية‭ ‬يتم‭ ‬توقيعها‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬المتعاقدين‭. ‬وفي‭ ‬الجداول‭ ‬يتم‭ ‬النص‭ ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬بنود‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الرئيسية‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الأول‭ ‬وأيها‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬أو‭ ‬ينطبق‭ ‬عليهما‭ ‬معا‭. ‬وهذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬تمثل‭ ‬البنود‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬المشاورات‭ ‬والنقاش‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتعاقدة‭. ‬وهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬هامة‭ ‬لأنها‭ ‬تتضمن‭ ‬التزام‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مبين‭ ‬في‭ ‬الجداول‭ ‬الموقع‭ ‬عليها‭. ‬ومن‭ ‬النقاط‭ ‬القانونية‭ ‬الهامة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليها،‭ ‬اختيار‭ ‬القانون‭ ‬الواجب‭ ‬التطبيق‭ ‬والمحاكم‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي،‭ ‬أو‭ ‬التحكيم‭ ‬كاختيار‭ ‬مركز‭ ‬ومكان‭ ‬وهيئة‭ ‬التحكيم‭. ‬ومن‭ ‬النقاط‭ ‬القانونية‭ ‬الهامة‭ ‬الواجبة‭ ‬التوضيح،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬العمليات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬تعامل‭ ‬كاتفاقية‭ ‬واحدة‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬“آيسدا”،‭ ‬هذا‭ ‬للعلم‭ ‬لأن‭ ‬الأطراف‭ ‬قد‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬متعددة‭ ‬مختلفة‭. ‬ونتابع‭.. ‬