مُلتقطات

“الثلاثاءُ الثقافي”... إرواءٌ سعودي

| د. جاسم المحاري

تبدو‭ ‬حالة‭ ‬التّعطش‭ ‬الثقافي،‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬البيّنة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخليجية‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تجلّت‭ ‬مظاهرها‭ ‬في‭ ‬التّعداد‭ ‬المتعاظم‭ ‬للمنتديات‭ ‬والصالونات‭ ‬الثقافية‭ ‬بموازاة‭ ‬المنازل‭ ‬والمقاهي‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬منابرها‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كمرآة‭ ‬عاكسة‭ ‬لنبض‭ ‬الشارع‭ ‬الخليجي‭ ‬اجتماعياً‭ ‬عبرَ‭ ‬ثلّة‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بالثقافة‭ ‬الذين‭ ‬يجتمعون‭ ‬بصورة‭ ‬أسبوعية‭ ‬أو‭ ‬شهرية‭ ‬أو‭ ‬فصلية‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬أحد‭ ‬المثقفين‭ ‬أو‭ ‬الوجهاء،‭ ‬فيتداولون‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬شتّى‭ ‬الموضوعات‭ ‬الحاضرة‭ ‬بثقلها‭ ‬أدباً‭ ‬وشعراً،‭ ‬وبتأثيرها‭ ‬ثقافة‭ ‬وعلماً،‭ ‬بِكمّ‭ ‬الأسئلة‭ ‬وتنوع‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬تتلاون‭ ‬وفق‭ ‬ألوان‭ ‬مراحلها‭ ‬المتناوعة،‭ ‬أو‭ ‬تتألق‭ ‬وتخبو‭ ‬حسب‭ ‬المُتاح‭ ‬في‭ ‬مساحاتها‭ ‬الممتدة‭.‬

برزت‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬المنتديات‭ ‬كواحدة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬غايات‭ ‬الوجود‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬الحركة‭ ‬الفكرية‭ ‬وخرّج‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬العظماء‭ ‬باعتبارها‭ ‬“قُبَلٌ”‭ ‬ثقافية‭ ‬ومراكز‭ ‬إشعاع‭ ‬يفوح‭ ‬شذى‭ ‬نكهاتها‭ ‬الفكرية‭ ‬جُلّ‭ ‬بسطاء‭ ‬المجتمع‭ ‬ونُخبه‭ ‬المثقفة،‭ ‬بأسلوبه‭ ‬الفاعل‭ ‬وعمقه‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أمسيات‭ ‬النقاش‭ ‬والتداخل‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬حقّق‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬رموز‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬وتوجيه‭ ‬رؤاهم‭ ‬الخلاقة‭ ‬التي‭ ‬أبدعت‭ ‬التناسق‭ ‬الفكري‭ ‬وأُحيت‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬فيما‭ ‬بينهم؛‭ ‬حتى‭ ‬بدت‭ ‬مناشط‭ ‬ثقافية‭ ‬قوية‭ ‬التأثير‭ ‬شديدة‭ ‬الفاعلية‭ ‬بينهم،‭ ‬في‭ ‬أفنية‭ ‬المعارف‭ ‬المتعاظمة‭ ‬وسُوح‭ ‬الرؤى‭ ‬المتدفقة‭ ‬التي‭ ‬تُعلي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الثقافة‭ ‬وأقطابها‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬مناشطها‭ ‬وثنايا‭ ‬تعبيراتها،‭ ‬العاكسة‭ ‬لضروراتها‭ ‬التاريخية‭ ‬ومتطلباتها‭ ‬الحضارية‭ ‬بعد‭ ‬توسيع‭ ‬أرضية‭ ‬التلاقي‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬الإبداع‭ ‬الفكري‭ ‬الرصّين‭.‬

 

نافلة‭: ‬

“منتدى‭ ‬الثلاثاء‭ ‬الثقافي”‭ ‬Thulatha Cultural Forum‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬قبل‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬الساحل‭ ‬الشرقي‭ ‬للمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭ ‬برعاية‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬البلدي‭ ‬بمحافظة‭ ‬القطيف‭ ‬المهندس‭ ‬جعفر‭ ‬الشايب،‭ ‬يأتي‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الحواضن‭ ‬الثقافية،‭ ‬والذي‭ ‬ترك‭ ‬–‭ ‬رغم‭ ‬فتاوة‭ ‬عمره‭ ‬–‭ ‬إرثاً‭ ‬مؤثراً‭ ‬وحفر‭ ‬عمقاً‭ ‬بالغاً‭ ‬وأبقى‭ ‬شواهد‭ ‬بارزة‭ ‬على‭ ‬“إرواء”‭ ‬حالة‭ ‬التعطش‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬بين‭ ‬مختلِف‭ ‬طبقات‭ ‬وشرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬السعودي،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬أطلق‭ ‬العنان‭ ‬للأفكار‭ ‬“الحبيسة”‭ ‬في‭ ‬المؤلفات‭ ‬والكتب‭ ‬والدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬القابعة‭ ‬على‭ ‬أرفف‭ ‬المكتبات‭ ‬وفي‭ ‬أروقة‭ ‬الجامعات‭ ‬كي‭ ‬تفرض‭ ‬ذاتها‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتُسهم‭ ‬في‭ ‬تجسير‭ ‬الهوة‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬وتُبلور‭ ‬خياراتهم‭ ‬التي‭ ‬عزّزت‭ ‬قيّم‭ ‬الثقافة‭ ‬المتعمقة‭ ‬والفكر‭ ‬النيّر‭ ‬عبْرَ‭ ‬الحوار‭ ‬البنّاء‭ ‬والآراء‭ ‬الناقدة‭ ‬بين‭ ‬النخب‭ ‬المثقفة‭ ‬التي‭ ‬غذّت‭ ‬الفضاء‭ ‬الاجتماعي‭ - ‬في‭ ‬داخل‭ ‬السعودية‭ ‬والخليج‭ - ‬بزخمها‭ ‬الثقافي‭ ‬المتواصل‭ ‬وعطائها‭ ‬الفكري‭ ‬المستديم‭.‬