سوالف

“القلق”... جرثومة قاتلة تقضي على الإنسان

| أسامة الماجد

في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تتحرك‭ ‬بداخلنا‭ ‬كبشر‭ ‬بقية‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬يؤلمنا،‭ ‬وتنفصل‭ ‬عن‭ ‬شراييننا‭ ‬دماء‭ ‬محروقة‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬جريانها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬استسلامنا‭ ‬للمرض‭ ‬الذي‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬“القاعة‭ ‬الفارغة‭ ‬المتسخة”‭ ‬وهو‭ ‬“القلق”،‭ ‬فالقلق‭ ‬بشتى‭ ‬صوره‭ ‬من‭ ‬الجراثيم‭ ‬القاتلة‭ ‬التي‭ ‬تزحف‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬وتقضي‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬وتجعله‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬الضياع‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬يركل‭ ‬صاحبه‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬بقسوة‭ ‬ليطيح‭ ‬به‭ ‬خلف‭ ‬القضبان‭ ‬الحديدية‭ ‬للحياة،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬كابوس‭ ‬سخيف‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬بسهولة‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عند‭ ‬الإنسان‭ ‬نسبة‭ ‬معقولة‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬والتفكير‭ ‬الإيجابي،‭ ‬فنحن‭ ‬وحسب‭ ‬مئات‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬نصبح‭ ‬قلقين‭ ‬حين‭ ‬نستسلم‭ ‬للقلق‭ ‬ونمارسه،‭ ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتخلص‭ ‬منه‭ ‬بأن‭ ‬نمارس‭ ‬الإقلاع‭ ‬عنه،‭ ‬وعدم‭ ‬التفكير‭ ‬به،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬القلق‭ ‬ونذكره،‭ ‬ونجعل‭ ‬حديثنا‭ ‬دائما‭ ‬تيمنا‭ ‬بالخير‭ ‬واستبشارا‭ ‬به‭ ‬بالابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الخرافات‭ ‬والأباطيل‭. ‬

إن‭ ‬الإنسان‭ ‬منا‭ ‬يصبح‭ ‬قلقا‭ ‬إذا‭ ‬علقت‭ ‬بتفكيره‭ ‬إحدى‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تولد‭ ‬هذا‭ ‬القلق،‭ ‬كالتفكير‭ ‬في‭ ‬الخوف،‭ ‬أو‭ ‬الهزيمة،‭ ‬التأخر،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نريد،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬وجبات‭ ‬التفاؤل‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬مجانا‭ ‬ومن‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬لنا،‭ ‬مصادقة‭ ‬الأشخاص‭ ‬المتفائلين‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون‭ ‬بحديثهم‭ ‬أن‭ ‬يغيروا‭ ‬نظرتنا‭ ‬للحياة‭ ‬ولو‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬ومن‭ ‬النصائح‭ ‬أيضا‭ ‬عدم‭ ‬مصادقة‭ ‬الأشخاص‭ ‬البائسين‭ ‬التعيسين‭ ‬الذين‭ ‬يقلبون‭ ‬حياتنا‭ ‬جحيما‭ ‬لا‭ ‬يطاق‭ ‬بأحاديثهم‭ ‬عن‭ ‬القلق‭ ‬والهموم،‭ ‬لأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬سيحيطوننا‭ ‬نهائيا‭ ‬بالموت‭ ‬البطيء‭ ‬والرعب‭ ‬أياما‭ ‬وشهورا،‭ ‬بل‭ ‬لسنين‭ ‬وكأننا‭ ‬نستلم‭ ‬منهم‭ ‬بطاقة‭ ‬مجانية‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم‭.‬

لقد‭ ‬أهدى‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬الكبير‭ ‬ديستوفيسكي‭ ‬العالم‭ ‬الرواية‭ ‬الخالدة‭ ‬“الأبله”‭ ‬بعدما‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬قلقه‭ ‬وتابوت‭ ‬السأم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يغطي‭ ‬رأسه‭ ‬كالقبعة،‭ ‬وحينما‭ ‬سئل‭ ‬رائد‭ ‬التكعيبية‭ ‬جورج‭ ‬براك‭ ‬عن‭ ‬الهم‭ ‬المتسلط‭ ‬على‭ ‬الفنان‭ ‬أجاب‭... ‬إنه‭ ‬القلق‭. ‬وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬قرأت‭ ‬عبارة‭ ‬لـ‭ ‬“هيرمان‭ ‬هيسه”‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬مثل‭ ‬الفجوات‭ ‬المملوءة‭ ‬بالسرطان‭.‬