مواقف إدارية

القائد الإداري والبيروقراطية

| أحمد البحر

لطالما‭ ‬لازمتني‭ ‬هذه‭ ‬الطرفة‭ ‬والتي‭ ‬سأرويها‭ ‬لك‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ‭ ‬كلما‭ ‬حاولت‭ ‬التحدث‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬وأقصد‭ ‬به‭ ‬البيروقراطية‭. ‬هذه‭ ‬الطرفة‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬مغادرة‭ ‬الذاكرة‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬خزانة‭ ‬النسيان‭ ‬تعكس‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬وإلى‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الوضوح‭ ‬أحد‭ ‬ملامح‭ ‬البيروقراطية‭ ‬والذي‭ ‬تعرفه‭ ‬المصادر‭ ‬الإدارية‭ ‬بأنه‭ ‬“الإلتزام‭ ‬باللوائح‭ ‬والقوانين‭ ‬والإجراءات”‭. ‬تقول‭ ‬الطرفة‭ ‬أو‭ ‬لنطلق‭ ‬عليها‭ ‬الموقف‭ ‬الأول‭:‬

يحكى‭ ‬أن‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬الرحالة‭ ‬ضلا‭ ‬طريقهما‭ ‬وتاها‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭. ‬وبعد‭ ‬معاناة‭ ‬قسوة‭ ‬حرارة‭ ‬الشمس‭ ‬والعطش‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أنهكهما‭ ‬التعب‭ ‬لمح‭ ‬أحدهما‭ ‬مبنى‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬تراءى‭ ‬له‭. ‬هل‭ ‬هو‭ ‬فعلاً‭ ‬مبنى‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬سراب؟‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬الآن‭! ‬أنه‭ ‬بصيص‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬يجب‭ ‬التمسك‭ ‬به‭ ‬وبكل‭ ‬قوة‭. ‬وفعلاً‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬ذاك‭ ‬المبنى‭ ‬وأراد‭ ‬الدخول‭. ‬ولكن‭ ‬الحارس‭ ‬أوقفه‭ ‬قائلاً‭ ‬له‭ ‬وبلهجة‭ ‬مهذبة‭: ‬لا‭ ‬يمكنني‭ ‬السماح‭ ‬لك‭ ‬بالدخول‭ ‬سيدي‭ ‬لأنك‭ ‬لا‭ ‬ترتدي‭ ‬ربطة‭ ‬عنق‭ ‬وأنا‭ ‬ملزم‭ ‬بتطبيق‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفندق‭ ‬ولكني‭ ‬سأحضر‭ ‬لك‭ ‬الماء‭ ‬وأنقل‭ ‬مشكلتك‭ ‬إلى‭ ‬المسؤول‭. ‬رجاء‭ ‬ابق‭ ‬هنا‭.‬

ربما‭ ‬ينظر‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬التعريف‭ ‬السابق‭ ‬للبيروقراطية‭ ‬نظرة‭ ‬إيجابية‭ ‬وأكاد‭ ‬أشاطر‭ ‬هذا‭ ‬البعض‭ ‬نظرته‭ ‬تلك‭ ‬ولكن‭ ‬الغلو‭ ‬والتطبيق‭ ‬الآلي‭ ‬لذلك‭ ‬المفهوم‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬خروج‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬المنطق‭ ‬والتعقل،‭ ‬بل‭ ‬أراه‭ ‬تنازلاً‭ ‬طوعياً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القائد‭ ‬الإداري‭ ‬لدوره‭ ‬والذي‭ ‬يقول‭ ‬عنه‭ ‬جنرال‭ ‬بون‭ ‬باتون‭ ‬“هو‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬تطويع‭ ‬المبادئ‭ ‬طبقاً‭ ‬للظروف”‭. ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬دور‭ ‬القائد‭ ‬الإداري‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ؟‭ ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬التالي‭:‬

تقدمت‭ ‬الطالبة‭ ‬بطلب‭ ‬إعفائها‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬التمهيدية‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬وأشفعت‭ ‬طلبها‭ ‬بمؤهلات‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬المعاهد‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭. ‬قابلت‭ ‬المدير‭ ‬بعد‭ ‬رفض‭ ‬طلبها‭ ‬وشرحت‭ ‬له‭ ‬بأنها‭ ‬درست‭ ‬اللغة‭ ‬لمدة‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬الخمسة‭ ‬أشهر‭ ‬هناك‭ ‬وأن‭ ‬موقعها‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬تحديد‭ ‬المستوى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭. ‬كما‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬توصية‭ ‬بعدم‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬السنة‭ ‬التمهيدية‭. ‬أتاها‭ ‬الجواب‭ ‬صادماً‭ ‬فقد‭ ‬أصر‭ ‬المدير‭ ‬على‭ ‬رأيه‭ ‬قائلاً‭: ‬النظام‭ ‬يقول‭ ‬بأن‭ ‬الإعفاء‭ ‬للطلبة‭ ‬المتفوقين‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬شهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬فقط‭! ‬النظام‭ ‬هو‭ ‬النظام‭. ‬وأضاعت‭ ‬الطالبة‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬نتيجة‭ ‬ذاك‭ ‬القرار‭. ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ‭ ‬بين‭ ‬ذاك‭ ‬الحارس‭ ‬وبين‭ ‬هذا‭ ‬المدير‭ ‬في‭ ‬تعاملهما‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬وأسلوب‭ ‬تطبيقه؟