دول مجلس التعاون في مواجهة الواقع

| عبدالنبي الشعلة

أصبح‭ ‬الجميع‭ ‬يدرك‭ ‬الآن‭ ‬أننا‭ ‬دخلنا‭ ‬عصر‭ ‬أو‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬عن‭ ‬سابقاتها‭.‬

وفي‭ ‬منطقتنا‭ ‬بالذات‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مثل‭ ‬سابقاتها،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬صعبة‭ ‬وقاسية؛‭ ‬إذ‭ ‬سنعيش‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتراجع‭ ‬لمعدلات‭ ‬النمو،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬ومستوى‭ ‬معيشته‭.‬

إن‭ ‬تدني‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬وانخفاض‭ ‬الطلب‭ ‬عليه‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬إيرادات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬بعشرات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬فإن‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬أصبح‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬الثروة‭ ‬المالية‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬قد‭ ‬تنفذ‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬الخمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬التدني،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تسارع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬وخطط‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المالية‭ ‬المطلوبة‭.‬

إن‭ ‬حكومات‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬تواجه‭ ‬الآن‭ ‬صعوبات‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬العجوزات‭ ‬المتفاقمة‭ ‬في‭ ‬موازناتها‭ ‬التي‭ ‬تعرضت،‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬تتعرض،‭ ‬للاستنزاف‭ ‬جراء‭ ‬الإنفاق‭ ‬العالي‭ ‬على‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأمنية‭ ‬والدفاعية‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬التهديدات‭ ‬والأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬المضطربة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أعباء‭ ‬الديون،‭ ‬والإنفاق‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬والدوائر‭  ‬والمؤسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وتصاعد‭ ‬تكاليف‭ ‬معاشات‭ ‬التقاعد،‭ ‬والدعم‭ ‬والخدمات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ومتطلبات‭ ‬برامج‭ ‬الانعاش‭ ‬والتحفيز‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬حكومات‭ ‬المنطقة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تداعيات‭ ‬كورونا،‭ ‬وغيرها‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أكثر‭ ‬تهيؤا‭ ‬للتحولات‭ ‬التي‭ ‬ستشهدها‭ ‬أوضاعنا‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وأن‭ ‬نكون‭ ‬أكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المقبلة‭ ‬بكل‭ ‬واقعية‭ ‬وبراغماتية،‭ ‬ولكن‭ ‬بروح‭ ‬إيجابية‭ ‬وثقة‭ ‬وتفاؤل‭ ‬وذلك‭ ‬لتجنب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يحبط‭ ‬من‭ ‬هممنا‭ ‬ويثبط‭ ‬عزائمنا‭.‬

لقد‭ ‬ظل‭ ‬النفط‭ ‬هو‭ ‬الممول‭ ‬الوحيد‭ ‬أو‭ ‬الرئيس‭ ‬لاقتصادات‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستمرار‭ ‬عليها،‭ ‬وتتطلب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إيجاد‭ ‬مصادر‭ ‬أخرى‭ ‬بديلة‭ ‬أو‭ ‬رديفة‭ ‬ومساندة‭ ‬لتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬دخلها،‭ ‬وهذه‭ ‬خلاصة‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬وقد‭ ‬توصلنا‭ ‬إليها‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬وأدركنا‭ ‬أن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نوسع‭ ‬وننوع‭ ‬مصادرنا‭ ‬ونطورها،‭ ‬ولقد‭ ‬كانت‭ ‬أصداء‭ ‬هذه‭ ‬القناعة‭ ‬تتردد‭ ‬بقوة‭ ‬مع‭ ‬تقلبات‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬وبدأنا‭ ‬بالفعل‭ ‬نتحرك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاه،‭ ‬وأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬خطط‭ ‬وبرامج‭ ‬ورؤى‭ ‬مستقبلية‭ ‬وتجارب‭ ‬ناجحة،‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬كافية،‭ ‬وكنا‭ ‬نتحرك‭ ‬ببطء‭ ‬وتردد‭.‬

وكانت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬ومعدلات‭ ‬الطلب‭ ‬عليه‭ ‬تتأرجح‭ ‬وتمر‭ ‬بمنعطفات‭ ‬ونكسات‭ ‬حادة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكبوة‭ ‬التي‭ ‬أصابته‭ ‬مؤخرا‭ ‬نتيجة‭ ‬لتشبع‭ ‬الأسواق،‭ ‬وتوفر‭ ‬الفائض‭ ‬منه،‭ ‬وتراجع‭ ‬الطلب‭ ‬عليه،‭ ‬ومنافسة‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬البديلة،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬حالة‭ ‬الإغلاق‭ ‬وتعثر‭ ‬حركة‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتجارة‭ ‬والنقل‭ ‬والاستثمار‭ ‬وسائر‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬ألمت‭ ‬بالعالم‭ ‬كله؛‭ ‬تلك‭ ‬العوامل‭ ‬جعلت‭ ‬آراء‭ ‬الخبراء‭ ‬تتفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬لن‭ ‬ينهض‭ ‬من‭ ‬كبوته،‭ ‬ولن‭ ‬يستعيد‭ ‬عافيته،‭ ‬فالذهب‭ ‬الأسود‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ذهبًا،‭ ‬وعصره‭ ‬الذهبي‭ ‬ذهب‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬عودته،‭ ‬فقد‭ ‬حل‭ ‬الآن‭ ‬عصر‭ ‬الطاقة‭ ‬الرخيصة‭ ‬والنظيفة‭.‬

وقبل‭ ‬طامة‭ ‬كورونا،‭ ‬كان‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬قد‭ ‬نصح‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬“بتحقيق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التنويع‭ ‬للأنشطة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتعميق‭ ‬إصلاحات‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والتعليم‭ ‬لتحقيق‭ ‬زيادات‭ ‬في‭ ‬الانتاجية‭ ‬وتوسيع‭ ‬الفرص‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬المنطقة”،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬التحذيرات‭ ‬والنصائح‭ ‬قد‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬خط‭ ‬الأساس‭ ‬لنفط‭ ‬برنت‭ ‬سيبلغ‭ ‬62‭.‬5‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬قد‭ ‬انهار‭ ‬وانخفض‭ ‬كثيرا‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬النصيحة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬كافية‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬جدوى،‭ ‬وبات‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬والاجراءات‭ ‬الترشيدية‭ ‬والتقشفية‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬حتمًا؛‭ ‬تخفيض‭ ‬النفقات‭ ‬وزيادة‭ ‬الرسوم‭ ‬والضرائب‭.‬

إن‭ ‬زيادة‭ ‬الرسوم‭ ‬والضرائب،‭ ‬ستثير‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬الاعتراض‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬قطاعات‭ ‬المجتمع‭ ‬الفاعلة،‭ ‬وستسبب‭ ‬الاستياء‭ ‬العام‭ ‬والتذمر‭ ‬والاضطراب؛‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬والأوقات؛‭ ‬ولن‭ ‬تشذ‭ ‬منطقتنا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬واحد‭ ‬ويدا‭ ‬بيد‭ ‬مع‭ ‬الإصلاحات‭ ‬السياسية‭.‬

إن‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ومعالجة‭ ‬الاختلالات‭ ‬الهيكلية‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬اقتصاد‭ ‬المنطقة‭ ‬يتطلب‭ ‬أيضًا،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬أمور‭ ‬عدة،‭ ‬وباختصار‭ ‬شديد‭: ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬وتطويره‭ ‬والارتقاء‭ ‬بمستواه‭ ‬لمواكبة‭ ‬احتياجات‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭.  ‬

وتأتي‭ ‬كخطوة‭ ‬أولية‭ ‬وأساسية؛‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تشجيع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وإفساح‭ ‬المجال‭ ‬أمامه،‭ ‬وتكثيف‭ ‬الجهود‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تنشيط‭ ‬وتعبئة‭ ‬القطاعات‭ ‬الانتاجية‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬لكي‭ ‬تردف‭ ‬وتدعم‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الاجمالي‭ ‬بمساهمات‭ ‬فاعلة‭ ‬ومحسوسة؛‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬بلورة‭ ‬خطط‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬وإرساء‭ ‬منطلقات‭ ‬وأساليب‭ ‬عمل‭ ‬جديدة‭.‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الأولويات‭ ‬معالجة‭ ‬مشكلة‭ ‬التكدس‭ ‬والتضخم‭ ‬الوظيفي‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة؛‭ ‬بغرض‭ ‬خفض‭ ‬المخصصات‭ ‬المرتفعة‭ ‬والمتصاعدة‭ ‬للباب‭ ‬الأول،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬التصدي‭ ‬لآفات‭ ‬التسيب‭ ‬والبيروقراطية‭ ‬وتدني‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬والإنتاجية‭.‬

ولضمان‭ ‬نجاح‭ ‬المساعي‭ ‬والجهود‭ ‬التنموية‭ ‬والإصلاحية‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يواكب‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬المساعي‭ ‬والجهود‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الإصلاح‭ ‬والنمو‭ ‬السياسي‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة؛‭ ‬والعمل‭ ‬أولًا‭ ‬

على‭ ‬تعزيز‭ ‬قيم‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬والتفاني‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬أوطاننا،‭ ‬واستعجال‭ ‬وتيرة‭ ‬الإصلاحات‭ ‬السياسية‭ ‬بحيث‭ ‬تواكب‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬وتبقى‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قيمنا‭ ‬وتراثنا،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بمبادئ‭ ‬الشفافية‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد،‭ ‬وتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬وفعالية‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬تجربتين‭ ‬واعدتين‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬والبحرين‭ ‬اللتين‭ ‬تزحفان‭ ‬الآن‭ ‬نحو‭ ‬النضج‭ ‬والاكتمال‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

ولن‭ ‬تستطيع‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬وتواجه‭ ‬التحديات‭ ‬المتوقعة‭ ‬وهي‭ ‬متفرقة‭ ‬ومتفككة،‭ ‬إن‭ ‬الظروف‭ ‬القادمة‭ ‬تفرض‭ ‬علينا،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬وبإلحاح‭ ‬شديد،‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسراع‭ ‬والسعي‭ ‬الجاد‭ ‬لإصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‭ ‬ورأب‭ ‬الصدع‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬أسرتنا‭ ‬الخليجية‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬وإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬سريعة‭ ‬وناجعة‭ ‬للخلافات‭ ‬القائمة‭ ‬بينها‭ ‬وتجاوزها،‭ ‬ورص‭ ‬الصفوف‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والأنظمة،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬جدار‭ ‬الوحدة‭ ‬الخليجية،‭ ‬وسد‭ ‬الثقوب‭ ‬والشروخ‭ ‬والثغرات‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬للمتربصين‭ ‬بنا‭ ‬النفاذ‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬ولا‭ ‬يحترم‭ ‬ولا‭ ‬يتسع‭ ‬للدول‭ ‬والكيانات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والوحدات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتفرقة‭ ‬والمتناثرة‭.‬

إن‭ ‬استقرار‭ ‬الأمور‭ ‬المعيشية‭ ‬للأفراد‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للدول‭ ‬وتدعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والأمني‭ ‬في‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الجانب‭ ‬الذي‭ ‬أغفله‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬فانهار‭ ‬في‭ ‬غمضة‭ ‬عين‭ ‬رغم‭ ‬قوته‭ ‬العسكرية‭ ‬المفرطة،‭ ‬وفي‭ ‬الغرب‭ ‬تبقى‭ ‬أو‭ ‬تسقط‭ ‬الحكومات‭ ‬على‭ ‬أنغام‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬ودخل‭ ‬الفرد‭ ‬والأسعار‭ ‬وتوفر‭ ‬فرص‭ ‬العمل،‭ ‬ففي‭ ‬أميركا‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬الأميركي‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لحكومته‭ ‬سواء‭ ‬أعطى‭ ‬رئيسه‭ ‬القدس‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أو‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬لغيرهما؛‭ ‬يهمه‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬توفر‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬والمرتبات‭ ‬وقوة‭ ‬الدولار‭ ‬الشرائية،‭ ‬ولولا‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭ ‬وحركة‭ ‬الملونين‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لكان‭ ‬فوز‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مضمون،‭ ‬أو‭ ‬لعله‭ ‬كذلك‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬