الحقوا بقطار كورونا

| هدى حرم

يا‭ ‬لهذا‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يغادرُ‭ ‬صغيرةً‭ ‬ولا‭ ‬كبيرةً‭ ‬إلا‭ ‬أفسدها؛‭ ‬فلمْ‭ ‬يُبقِ‭ ‬على‭ ‬نعمةٍ‭ ‬إلا‭ ‬أزالها‭ ‬ولا‭ ‬مكسبٍ‭ ‬إلا‭ ‬أحلَّ‭ ‬به‭ ‬دارَ‭ ‬البوار،‭ ‬هوتْ‭ ‬أسعارُ‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬سابقةٍ‭ ‬لمْ‭ ‬نرَ‭ ‬لها‭ ‬مثيلاً‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تفجرت‭ ‬آبارهُ‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬وانهارتْ‭ ‬أسعارُ‭ ‬الأسهم‭ ‬بفعل‭ ‬الهبوط‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬العملات‭ ‬النقدية‭ ‬العالمية،‭ ‬وارتفع‭ ‬شأنُ‭ ‬الذهب‭ ‬فاشتعلت‭ ‬أسعارُ‭ ‬التداول‭ ‬حتى‭ ‬تربع‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬أسواق‭ ‬المال‭ ‬متكبراً‭ ‬على‭ ‬جُودِ‭ ‬النساء‭.‬

ليست‭ ‬الحالةُ‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تردتْ‭ ‬بعد‭ ‬كورونا،‭ ‬بل‭ ‬أتى‭ ‬الوباء‭ ‬على‭ ‬الوثائقِ‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هي‭ ‬الأخرى؛‭ ‬فامتنعَ‭ ‬الناسُ‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬بعضهم‭ ‬والاجتماع‭ ‬معاً‭ ‬كما‭ ‬اعتادوا‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬حفلات‭ ‬عقد‭ ‬القِران‭ ‬والزفاف‭ ‬توقفت‭ ‬وأصبحت‭ ‬محظورةً‭ ‬ومخطورة؛‭ ‬فعزفتْ‭ ‬المجتمعاتُ‭ ‬عن‭ ‬إقامةِ‭ ‬حفلات‭ ‬الأعراسِ‭ ‬التي‭ ‬يُدعى‭ ‬إليها‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة‭ ‬وتبذلُ‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إقامتها‭ ‬آلافُ‭ ‬الدنانير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ليلةٍ‭ ‬واحدة‭.‬

لكن‭ ‬زمانَ‭ ‬التباعدِ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬طال،‭ ‬والحياةُ‭ ‬لابد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الاستمرار؛‭ ‬لذا‭ ‬اِلتجأ‭ ‬البعضُ‭ ‬مجبراً‭ ‬لعقدِ‭ ‬القران‭ ‬وحفلاتِ‭ ‬الزفاف‭ ‬في‭ ‬محيطٍ‭ ‬ضيقٍ‭ ‬يقتصرُ‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬مع‭ ‬أخذ‭ ‬كل‭ ‬الاحتياطاتِ‭ ‬الوقائية‭ ‬اللازمة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬دفَعَنا‭ ‬له‭ ‬الوباء؛‭ ‬فنِعمَ‭ ‬ما‭ ‬آلتْ‭ ‬إليه‭ ‬أمورُنا‭ ‬فيمَا‭ ‬يخص‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬بجلاء‭ ‬أنَّ‭ ‬الزواج‭ ‬لا‭ ‬يتطلبُ‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬البهرجةَ‭ ‬والإسراف‭ ‬والمغالاة‭ ‬في‭ ‬التجهيزات،‭ ‬لمْ‭ ‬يعدْ‭ ‬العروسان‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬لحجز‭ ‬صالة‭ ‬أفراحٍ‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بها‭ ‬بمبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬ودعوةِ‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬لحضور‭ ‬الزفاف،‭ ‬والطواف‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬وشراء‭ ‬ملابس‭ ‬ومستلزمات‭ ‬غالية‭ ‬الثمن،‭ ‬واقتناء‭ ‬الذهبِ‭ ‬النفيس‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬العادة،‭ ‬وضيافة‭ ‬المهنئين‭ ‬وإقامة‭ ‬حفلات‭ ‬الاستقبال‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭. ‬صار‭ ‬يكفي‭ ‬العروسان‭ ‬أنْ‭ ‬يُجهِّز‭ ‬كلٌ‭ ‬منهما‭ ‬نفسه‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الأعراف،‭ ‬ويُزفانِ‭ ‬إلى‭ ‬بعضهما‭ ‬بأقلِ‭ ‬كُلفةٍ‭ ‬وأكثرِ‭ ‬سعادة‭ ‬مدخرين‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سيُهدرُ‭ ‬في‭ ‬رئاءِ‭ ‬الناس‭ ‬لأنفسهم‭ ‬ليستفيدوا‭ ‬منه‭ ‬وينفقوه‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬عشِ‭ ‬الزوجيةِ‭ ‬الخاص‭ ‬بهم‭. ‬إنها‭ ‬فرصة‭ ‬لا‭ ‬تُقدرُ‭ ‬بثمن‭ ‬أهدانا‭ ‬إياها‭ ‬كورونا،‭ ‬وإنْ‭ ‬كنا‭ ‬أذكياءَ‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬فعلينا‭ ‬أنْ‭ ‬نتحينَ‭ ‬الفرصةَ‭ ‬ونلحقَ‭ ‬بقطارِ‭ ‬الزواج‭ ‬قبل‭ ‬فواتِ‭ ‬كورونا‭.‬