مشاهد وخواطر

| عباس العمران

‭  ‬المشهد‭ ‬الأول‭:‬‭ ‬سواكنُ‭ ‬النفس‭ ‬وماضي‭ ‬الأيام‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تُحرك‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان،‭ ‬أحداثُ‭ ‬الأمس‭ ‬لم‭ ‬تَمُتْ‭ ‬في‭ ‬ذاكرتك؛‭ ‬بل‭ ‬استقرت‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬اللاشعور‭ ‬كما‭ ‬يدّعي‭ ‬“فرويد”‭ ‬عالمُ‭ ‬النفس‭ ‬الشهير،‭ ‬هي‭ ‬بالطبع‭ ‬لا‭ ‬تعود،‭ ‬بل‭ ‬أنت‭ ‬الذي‭ ‬تعودُ‭ ‬إليها‭ ‬بجناحي‭ ‬الذكرى‭ ‬والخيال،‭ ‬تمرُ‭ ‬بأحداث‭ ‬يومية‭ ‬كثيرة؛‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يجعلك‭ ‬أكثر‭ ‬فهما‭ ‬للحياة‭ ‬وتقديراً‭ ‬لرجال‭ ‬الكلمة‭ ‬والموقف،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يصيبك‭ ‬بالدهشة‭ ‬والذهول‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬هبوط‭ ‬وانحدار‭.‬

أحداثٌ‭ ‬كثيرة‭ ‬تجعلني‭ ‬أعود‭ ‬بالذكرى‭ ‬البعيدة‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬لمجلس‭ ‬والدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬أتذكر‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نتعلمها‭ ‬منه،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬عميقة‭ ‬القرار‭ ‬والمعنى،‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بمعرفة‭ ‬معدن‭ ‬الرجال‭ ‬الحقيقيين،‭ ‬وأصول‭ ‬الضيافة‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يكبروننا‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬والدي‭ ‬يحبُ‭ ‬مشاركة‭ ‬أصدقائه‭ ‬الوقت‭ ‬والطعام‭ ‬والشاي،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أذق‭ ‬مثلهُ‭ ‬من‭ ‬بعده،‭ ‬مجلس‭ ‬والدي‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬ضيوفه‭ ‬سائر‭ ‬أيام‭ ‬العام،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬فتكونُ‭ ‬الاستعدادات‭ ‬مختلفة؛‭ ‬لأن‭ ‬الضيوف‭ ‬يزدادون‭ ‬فيه،‭ ‬سأظلُ‭ ‬مديناً‭ ‬لتلك‭ ‬الدروس‭ ‬والذكرى‭ ‬التي‭ ‬تثبتُ‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬صدقها‭ ‬وعمق‭ ‬أثرها‭ ‬في‭ ‬نفسي‭. ‬أسكن‭ ‬الله‭ ‬روح‭ ‬والدي‭ ‬الفردوس‭ ‬الأعلى‭.‬

المشهد‭ ‬الثاني‭:‬‭ ‬يقولُ‭ ‬العالم‭ ‬“ديفيد‭ ‬هيوم”‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬الرجل‭ ‬الحكيم‭ ‬“هو‭ ‬ذلك‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬يُفصل‭ ‬اعتقاده‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬البينة”،‭ ‬نحتاجُ‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬في‭ ‬السجالات‭ ‬الفكرية‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬أطرافاً‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬النقاش‭. ‬قد‭ ‬ترى‭ ‬طرفا‭ ‬معتداً‭ ‬برأيه‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنه‭ ‬يكاد‭ ‬يهجم‭ ‬بجسمهِ‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬قد‭ ‬تملك‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الحقيقة‭ ‬لكنك‭ ‬تحتاجُ‭ ‬إلى‭ ‬الجزء‭ ‬الآخر‭ ‬منها،‭ ‬وتذكر‭ ‬أن‭ ‬التواضع‭ ‬سمة‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬الحقيقيين‭.‬

المشهد‭ ‬الثالث‭:‬‭ ‬عظيم‭ ‬الفخر‭ ‬والامتنان‭ ‬للطاقات‭ ‬البحرينية‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬يروي‭ ‬تاريخنا‭ ‬المجيد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬غاص‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬ومن‭ ‬زرع‭ ‬نخيل‭ ‬بلادي‭ ‬وسقاها‭ ‬من‭ ‬عرقه،‭ ‬صنع‭ ‬لأحفاده‭ ‬مجدا،‭ ‬ورسم‭ ‬لهم‭ ‬منهجا‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬والبذل‭ ‬مازالوا‭ ‬مستمرين‭ ‬عليه‭.           ‬