زبدة القول

كل ممنوع مرغوب

| د. بثينة خليفة قاسم

“ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة”،‭ ‬كتاب‭ ‬رائع،‭ ‬ترجم‭ ‬للإنجليزية‭ ‬وغيرها‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“ليالي‭ ‬العرب”‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أمتع‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬وحكايات‭ ‬خرافية‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬إبداعها‭ ‬حضارات‭ ‬متعددة‭ ‬كالحضارة‭ ‬الهندية‭ ‬والفارسية‭ ‬والعربية،‭ ‬وأصبح‭ ‬مصنف‭ ‬“ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة”‭ ‬مصدرا‭ ‬للإلهام‭ ‬والاقتباس‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬المعروفين‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أدب‭ ‬الأطفال‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬الكتاب‭ ‬الغربيين‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬تأثروا‭ ‬بمصنف‭ ‬“ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة”‭ ‬الكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬“وليام‭ ‬شيكسبير”‭ ‬في‭ ‬مسرحيته‭ ‬الشهيرة‭ ‬“العبرة‭ ‬بالنهاية”،‭ ‬وكذلك‭ ‬الكاتب‭ ‬الإيطالي‭ ‬“بوكاشيو”‭ ‬الذي‭ ‬اقتبس‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“الأيام‭ ‬العشرة”،‭ ‬والكاتب‭ ‬“شوسر”‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬“كانتوبري”‭ ‬المعروفة،‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدراسات‭ ‬ورسائل‭ ‬الدكتوراه‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬المصنف‭ ‬المهم‭.‬

هذا‭ ‬المصنف‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬الأديب‭ ‬الكبير‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬إنه‭ ‬موسوعة‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬عن‭ ‬رسالة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬سهير‭ ‬القلماوي‭ ‬حول‭ ‬“ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة”‭ ‬إنها‭ ‬“من‭ ‬الرسائل‭ ‬البارعة،‭ ‬وتأتي‭ ‬براعتها‭ ‬من‭ ‬مؤلفتها‭ ‬ومن‭ ‬موضوعها”‭.‬

ورغم‭ ‬القيمة‭ ‬الأدبية‭ ‬الكبيرة‭ ‬لهذا‭ ‬المصنف،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬متشددة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬العرب‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يطبقوا‭ ‬أحكامهم‭ ‬ورؤيتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬للدين‭ ‬والأخلاق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المصنف‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الإبداعية‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬وشعر،‭ ‬بسبب‭ ‬رؤيتهم‭ ‬السطحية‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬تذوق‭ ‬الأدب‭ ‬وفهم‭ ‬مراميه‭ ‬من‭ ‬الأساس‭.‬

منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬قامت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المحامين‭ ‬التابعين‭ ‬إلى‭ ‬الجماعات‭ ‬المتشددة،‭ ‬أو‭ ‬المدفوعين‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬الشهرة‭ ‬برفع‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬طبع‭ ‬هذا‭ ‬المصنف‭ ‬ومصادرته،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬به‭ ‬عبارات‭ ‬خادشة‭ ‬للحياء‭. ‬هؤلاء‭ ‬المحامون‭ ‬يعلمون‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أحكاما‭ ‬قضائية‭ ‬سابقة‭ ‬قضت‭ ‬بطبع‭ ‬الكتاب‭ ‬وتداوله،‭ ‬ويعلمون‭ ‬أن‭ ‬نجاحهم‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬طبع‭ ‬الكتاب‭ ‬غير‭ ‬وارد،‭ ‬لكن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الشهرة‭ ‬وتداول‭ ‬أسمائهم‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬نتيجة‭ ‬اصطدامهم‭ ‬بالمفكرين‭ ‬وأهل‭ ‬الأدب،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعتهم‭ ‬إلى‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬دعواهم‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬مخاطبة‭ ‬عواطف‭ ‬الشباب‭ ‬المتدين‭.‬

 

الخلاصة‭ ‬أن‭ ‬المتشددين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬أمتنا‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬قيمة‭ ‬الأدب،‭ ‬وليسوا‭ ‬مؤهلين‭ ‬للحكم‭ ‬عليه،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أن‭ ‬حربهم‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬الإبداعية‭ ‬ستوقف‭ ‬تداولها‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ناسين‭ ‬أن‭ ‬أعمالا‭ ‬أدبية‭ ‬كثيرة‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬الانتشار‭ ‬والذيوع‭ ‬بسبب‭ ‬محاربتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الفئات،‭ ‬أو‭ ‬منعها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومات‭. ‬فرواية‭ ‬“أولاد‭ ‬حارتنا”‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬عرفها‭ ‬الناس‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يقرأون‭ ‬الأدب،‭ ‬بسبب‭ ‬منعها،‭ ‬وقام‭ ‬الناس‭ ‬بتصويرها‭ ‬خفية‭ ‬على‭ ‬آلات‭ ‬التصوير‭ ‬وتداولوها،‭ ‬هذا‭ ‬بالطبع‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأتينا‭ ‬الإنترنت‭ ‬لينشر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬الجميع،‭ ‬فهل‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬ستوقف‭ ‬قراءة‭ ‬الناس‭ ‬لكتاب‭ ‬طبعت‭ ‬منه‭ ‬آلاف‭ ‬النسخ‭ ‬من‭ ‬قبل؟‭.‬