مُلتقطات

بين “جنوسان وباربار”... سوقٌ ومرفأ

| د. جاسم المحاري

تجلّت‭ ‬الهِبة‭ ‬الإلهية‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬بلادنا‭ ‬“الجُزُرية”‭ ‬بتعدّد‭ ‬الواجهات‭ ‬البحرية‭ ‬المُتاحة‭ ‬نسبياً،‭ ‬في‭ ‬تنوّع‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية،‭ ‬والتي‭ ‬أسهم‭ ‬فيها‭ ‬قطاع‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك‭ ‬بنسبة‭ (‬0.3‭ %) ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلّي‭ ‬الإجمالي‭ ‬بعد‭ ‬تراجعه‭ ‬الكبير؛‭ ‬لعلة‭ ‬توجّه‭ ‬السكان‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬الطفرة‭ ‬النفطية‭ ‬والصناعية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬أبرزها‭ ‬تزايد‭ ‬عمليات‭ ‬الردم‭ ‬والدفان‭ ‬بعد‭ ‬التوسع‭ ‬العمراني‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الساحلية‭. ‬وهذا‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬كان‭ ‬السواد‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬قد‭ ‬مارس‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ - ‬مهنة‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬حتى‭ ‬اشتهرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬كمدينة‭ ‬الحدّ‭ ‬والدّير‭ ‬وقرى‭ ‬جزيرة‭ ‬سترة‭ ‬والبديع‭ ‬وجنوسان‭ ‬وباربار‭ ‬وغيرها‭ ‬بالحرفية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬التي‭ ‬شكّل‭ ‬البحر‭ ‬بخيراته‭ ‬رافداً‭ ‬مؤثراً‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬واقعهم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ومورداً‭ ‬مهماً‭ ‬لتشكيل‭ ‬تركيبتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬أفرزت‭ ‬كمّاً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬موروثنا‭ ‬الديني‭ ‬ومأثورنا‭ ‬الشعبي‭.‬

تولّدت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬البحريني‭ ‬وزرقة‭ ‬البحر‭ ‬كرباط‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬أمه،‭ ‬فهو‭ ‬مانح‭ ‬حوى‭ ‬الخيرات‭ ‬والمنافع‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬مياهه،‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬بَدَتْ‭ ‬متجليةً‭ ‬–‭ ‬مثالاً‭ ‬لا‭ ‬حصراً‭ - ‬بين‭ ‬أهالي‭ ‬قريتي‭ ‬“باربار‭ ‬وجنوسان”‭ ‬الوادعتين‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬اللُجّية‭ ‬ورمال‭ ‬الشطآن‭ ‬الفضية،‭ ‬التي‭ ‬أسلفتها‭ ‬بين‭ ‬رجالاتها‭ ‬وشائج‭ ‬القربى‭ ‬والتزاوج،‭ ‬وعلاقات‭ ‬النّسب‭ ‬والمصاهرة،‭ ‬وصلات‭ ‬الأخوة‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والتزاور،‭ ‬وروابط‭ ‬الزمالة‭ ‬في‭ ‬الحرف‭ ‬والأعمال؛‭ ‬حتى‭ ‬أشاعتها‭ ‬ودّاً‭ ‬ووداداً‭ ‬وأفاضتها‭ ‬ألفةً‭ ‬وائتلافاً،‭ ‬قد‭ ‬تُرجِمَت‭ ‬في‭ ‬صورةٍ‭ ‬مكتملة‭ ‬الأركان‭ ‬عنوانها‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬“رزق‭ ‬البحرِ‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشحّ‭ ‬ولا‭ ‬يجفّ”‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬فرض‭ ‬بعنفوانه‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يحويه‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الوفرة‭ ‬والثراء‭ ‬تحت‭ ‬قِيعان‭ ‬مياهه،‭ ‬وبين‭ ‬تلاطم‭ ‬أمواجه‭ ‬التي‭ ‬تجسدت‭ ‬فيها‭ ‬علاقة‭ ‬العاشق‭ ‬الولهان‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬تنهدات‭ ‬الحنين‭ ‬وغصّة‭ ‬المشتاق‭.‬

 

نافلة‭:‬

عراقةُ‭ ‬المشتركات‭ ‬بين‭ ‬أهالي‭ ‬قريتي‭ ‬“باربار‭ ‬وجنوسان”،‭ ‬وارتباطهم‭ ‬بزرقة‭ ‬البحر‭ ‬منذ‭ ‬أمد،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬رّوضوا‭ ‬فيها‭ ‬مهابته‭ ‬بسمّر‭ ‬سواعدهم‭ ‬حتى‭ ‬صيّروا‭ ‬هذا‭ ‬الارتباط‭ ‬به‭ ‬بين‭ ‬تحدّ‭ ‬ومصلحة؛‭ ‬قد‭ ‬بَانَتْ‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬آمالهم‭ ‬المعقودة‭ ‬بإحياء‭ ‬مشروعي‭ ‬“سوق‭ ‬جنوسان‭ ‬للأسماك”‭ ‬و”مرفأ‭ ‬باربار‭ ‬وساحله”‭ ‬اللذين‭ ‬سيعكسان‭ ‬–‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬–‭ ‬رواجاً‭ ‬متعاظماً‭ ‬في‭ ‬التسويق‭ ‬والترويح‭ ‬بين‭ ‬الأهالي‭ ‬والقرى‭ ‬المجاورة‭.‬