فجر جديد

هل “الحضانة” للتربية أم للانتقام؟

| إبراهيم النهام

قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬استلمت‭ ‬اتصالا‭ ‬كريما‭ ‬من‭ ‬مواطن‭ ‬ستيني،‭ ‬يناشد‭ ‬بوجع‭ ‬لكي‭ ‬يرى‭ ‬ابنته‭ ‬التي‭ ‬حُرم‭ ‬من‭ ‬رؤيتها‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام؛‭ ‬بسبب‭ ‬تغذية‭ ‬طليقته‭ ‬لها‭ ‬بالكراهية‭ ‬والمُقت‭ ‬والبغضاء‭.‬

الأب‭ ‬المكلوم،‭ ‬والحزين‭ ‬جدا،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬بالحرف‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬ينام،‭ ‬وبأن‭ ‬الحياة‭ ‬فقدت‭ ‬بنظره‭ ‬كل‭ ‬أسباب‭ ‬البقاء‭ ‬أو‭ ‬العيش،‭ ‬وبأن‭ ‬وجعه‭ ‬لأجل‭ ‬ابنته،‭ ‬وشغفه‭ ‬للقائها،‭ ‬وسؤاله‭ ‬الدائم‭ ‬عن‭ ‬حالها‭ ‬وظروفها‭ ‬ويومياتها،‭ ‬بات‭ ‬الهاجس‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬وجدانه‭ ‬وحياته،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المتبقي‭ ‬منها‭ ‬كما‭ ‬قال‭.‬

هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬المؤسفة‭ ‬والمتكررة‭ ‬يوميا،‭ ‬توجز‭ ‬استغلال‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬غنموا‭ ‬بحضانة‭ ‬الأطفال،‭ ‬لتوظيفها‭ ‬كوسيلة‭ ‬انتقام‭ ‬من‭ ‬شريك‭ ‬الحياة‭ ‬السابق،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لنفسية‭ ‬الأطفال‭ ‬فاقدي‭ ‬الحيلة،‭ ‬بواقع‭ ‬ينبئ‭ ‬بخروج‭ ‬جيل‭ ‬مهشم،‭ ‬ضعيف‭ ‬الشخصية،‭ ‬فاقد‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الآخر‭.‬

ويقودني‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬الدقيق‭ ‬والمُختصر‭ ‬لما‭ ‬يحدث،‭ ‬لحكاية‭ ‬صديق‭ ‬مر‭ ‬بقضية‭ ‬طلاق‭ ‬مؤسفة‭ ‬قبل‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬تقريبا،‭ ‬وكان‭ ‬لديه‭ ‬حينها‭ ‬ابنتان‭ ‬صغيرتان،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬طليقته‭ ‬تستثمر‭ ‬منذ‭ ‬حينها‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬كل‭ ‬إمكاناتها‭ ‬ومواردها‭ ‬ووقتها‭ ‬وصحتها،‭ ‬لكي‭ ‬تضع‭ ‬المسافات‭ ‬الشاسعة‭ ‬بينهم‭ ‬وبينه؛‭ ‬فقط‭ ‬للنكاية‭ ‬به‭.‬

وأضاف‭ ‬“أحسنت‭ ‬أمهم‭ ‬تعليمهم،‭ ‬وأقولها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أظلمها،‭ ‬أو‭ ‬أنقص‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬جهودها،‭ ‬لكنها‭ - ‬في‭ ‬المقابل‭ - ‬فشلت‭ ‬بغرس‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭ ‬بأبيهن،‭ ‬وهي‭ ‬برأيي‭ ‬لأهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شهادات‭ ‬أو‭ ‬مسميات‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬أكاديمية،‭ ‬مهما‭ ‬علت‭ ‬أو‭ ‬ارتفعت”‭.‬

ختاما،‭ ‬أُشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬استغلال‭ ‬الحضانة‭ ‬للانتقام‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الأم،‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬رأي‭ ‬عام،‭ ‬وقضية‭ ‬أجيال‭ ‬قادمة‭ ‬نحن‭ ‬مسؤولون‭ ‬عنها،‭ ‬ومن‭ ‬الأهمية‭ ‬تتبع‭ ‬آلية‭ ‬سيرها،‭ ‬شاملة‭ ‬سلوك‭ ‬الحاضن،‭ ‬ونفسية‭ ‬الأطفال،‭ ‬وصلتهم‭ ‬للرحم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭.‬