إبليس ولا إدريس!

| عبدالنبي الشعلة

نقول‭ ‬لجيل‭ ‬اليوم‭ ‬وأجيال‭ ‬الغد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬احذروا‭ ‬ولا‭ ‬تنخدعوا‭ ‬كما‭ ‬انخدعنا‭ ‬وانخدع‭ ‬جيلنا‭ ‬والجيل‭ ‬الذي‭ ‬سبقنا‭ ‬بشعارات‭ ‬ومزايدات‭ ‬الانقلابيين‭ ‬ومن‭ ‬يسمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بالثوريين،‭ ‬وتذكروا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الكوارث‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بأمتنا،‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬ويحصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وما‭ ‬تعانيه‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الشقيقة‭ ‬وشعبها‭ ‬الوفي‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬دموية‭ ‬مرعبة‭.‬

ففي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1969‭ ‬كان‭ ‬ملك‭ ‬ليبيا‭ ‬إدريس‭ ‬السنوسي؛‭ ‬الملك‭ ‬الزاهد‭ ‬الورع‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬وقتها‭ ‬قرابة‭ ‬80‭ ‬عامًا‭ ‬يقضي‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬الملكة‭ ‬فاطمة‭ ‬عطلته‭ ‬الصيفية‭ ‬متنقلًا‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬واليونان‭ ‬للعلاج‭ ‬والاستجمام‭.‬

وبعد‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬وقع‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬قاده‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬صغار‭ ‬الضباط‭ ‬بالجيش‭ ‬الليبي‭ ‬يتقدمهم‭ ‬ضابط‭ ‬صغير‭ ‬برتبة‭ ‬ملازم‭ ‬أول‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬27‭ ‬عامًا‭ ‬اسمه‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭.‬

في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬كان‭ ‬الملك‭ ‬إدريس‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬مقيمًا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬فنادق‭ ‬إسطنبول،‭ ‬فزاره‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬إقامته‭ ‬وفد‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬التركية‭ ‬ليبلغه‭ ‬بنبأ‭ ‬الانقلاب،‭ ‬وليؤكد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬الاستعداد‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتجاه‭ ‬يختاره‭ ‬أو‭ ‬يطلبه‭ ‬منها‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬إدريس‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬بأنه‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يمثل‭ ‬الشرعية‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وإن‭ ‬له‭ ‬وشائج‭ ‬وعلاقات‭ ‬وطيدة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬شيوخ‭ ‬القبائل‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ومع‭ ‬ضباط‭ ‬كبار‭ ‬موالين‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الليبي،‭ ‬وتربطه‭ ‬اتفاقيات‭ ‬ومعاهدات‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة؛‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬وطنيًا‭ ‬حتى‭ ‬النخاع؛‭ ‬فلم‭ ‬يحاول‭ ‬الاتصال‭ ‬بشيوخ‭ ‬وزعماء‭ ‬القبائل‭ ‬أو‭ ‬بكبار‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬الليبي‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬الليبين‭ ‬وتفتيت‭ ‬وحدة‭ ‬الوطن‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬التصدي‭ ‬ومواجهة‭ ‬الانقلابين،‭ ‬ولم‭ ‬يتجاوب‭ ‬مع‭ ‬عرض‭ ‬الحكومة‭ ‬التركية‭ ‬أو‭ ‬يحاول‭ ‬الاتصال‭ ‬بالأميركيين‭ ‬أو‭ ‬الإنجليز؛‭ ‬لأن‭ ‬مسألة‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي‭ ‬غير‭ ‬واردة‭ ‬لديه‭ ‬إطلاقًا‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة‭ ‬مبدئية،‭ ‬وأخرى‭ ‬عملية‭ ‬منها‭ ‬العوائق‭ ‬الدستورية‭.‬

وقد‭ ‬اعتاد‭ ‬الانقلابيون‭ ‬العسكريون‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬فور‭ ‬نجاحهم‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬نظام‭ ‬الحكم،‭ ‬وإزاحة‭ ‬الحكام‭ ‬الشرعيين‭ ‬والتربع‭ ‬مكانهم‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬السلطة،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬رموزهم‭ ‬إما‭ ‬بالنفي‭ ‬أو‭ ‬السجن‭ ‬أو‭ ‬القتل؛‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بإثارة‭ ‬مشاعر‭ ‬الجماهير‭ ‬وتحريك‭ ‬الناس‭ ‬وإخراجهم‭ ‬من‭ ‬بيوتهم‭ ‬وأعمالهم،‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬للتظاهر‭ ‬وتنظيم‭ ‬المسيرات‭ ‬تأييدًا‭ ‬للانقلابيين‭ ‬وتنديدًا‭ ‬برموز‭ ‬الحكم‭ ‬السابق،‭ ‬رافعين‭ ‬شعارات‭ ‬براقة‭ ‬ترحب‭ ‬بالحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬المرتقبة،‭ ‬وبالعدالة‭ ‬والكرامة‭ ‬وبالاستقلال‭ ‬والتقدم‭ ‬والازدهار‭ ‬والاشتراكية‭ ‬أيضًا‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬تحقيقها‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الحكام‭ ‬الجدد؛‭ ‬منددين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بالاستبداد‭ ‬والظلم‭ ‬والفساد‭ ‬والفجور‭ ‬المزعوم‭ ‬للحكام‭ ‬السابقين‭ ‬الذين‭ ‬أطيح‭ ‬بهم،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬ومكشوفة‭ ‬من‭ ‬الانقلابيين‭ ‬لإضفاء‭ ‬صفة‭ ‬“الثورة‭ ‬الشعبية”‭ ‬على‭ ‬حركتهم‭ ‬الانقلابية‭.‬

ولم‭ ‬يشذ‭ ‬الانقلابيون‭ ‬العسكريون‭ ‬الليبيون‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة؛‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬ذلك‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬ومندوبه‭ ‬الشخصي‭ ‬أحمد‭ ‬قذاف‭ ‬الدم،‭ ‬بعد‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬القذافي‭ ‬للسيد‭ ‬طاهر‭ ‬بركة‭ ‬مقدم‭ ‬برنامج‭ ‬“الذاكرة‭ ‬السياسية”‭ ‬بمحطة‭ ‬تلفزيون‭ ‬“العربية”‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“أسرار‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬القذافي‭ ‬كما‭ ‬يرويها‭ ‬أقرب‭ ‬شخص‭ ‬له”‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬“في‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬الثورة‭ ‬توجهنا‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬لنحرك‭ ‬الشارع‭ ‬الليبي‭ ‬لتأييد‭ ‬الثورة‭...... ‬“‭.‬

وهكذا‭ ‬قام‭ ‬الانقلابيون‭ ‬بدفع‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬الليبية،‭ ‬وزودوهم‭ ‬بالشعارات‭ ‬المعتادة،‭ ‬الا‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الليبي‭ ‬رفع‭ ‬شعارا‭ ‬فريدا‭ ‬وخاصا‭ ‬بالحالة‭ ‬الليبية‭ ‬ضمن‭ ‬الشعارات‭ ‬المنددة‭ ‬بالحكم‭ ‬السابق‭ ‬وهو‭ ‬“إبليس‭ ‬ولا‭ ‬إدريس”،‭ ‬فلما‭ ‬سمع‭ ‬الملك‭ ‬إدريس‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬قال‭: ‬“اللهم‭ ‬استجب‭ ‬دعوتهم”‭ ‬فكان‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬واستجاب‭ ‬الله‭ ‬لدعوته‭ ‬ودعوتهم‭.‬

وكان‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬قد‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1942‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬تسمى‭ ‬“جهنم”‭ ‬بمدينة‭ ‬سرت‭ ‬الليبية‭.‬

وبعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬مداولات‭ ‬صورية‭ ‬لمحكمة‭ ‬عسكرية‭ ‬استثنائية‭ ‬شكلها‭ ‬القذافي؛‭ ‬حُكم‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬إدريس‭ ‬غيابيًا‭ ‬بالإعدام‭ ‬رميًا‭ ‬بالرصاص‭ ‬ومصادرة‭ ‬أملاكه،‭ ‬وعلى‭ ‬زوجته‭ ‬الملكة‭ ‬فاطمة‭ ‬الشفاء‭ ‬بنت‭ ‬المجاهد‭ ‬الكبير‭ ‬أحمد‭ ‬الشريف‭ ‬بالسجن‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬ومصادرة‭ ‬أملاكها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تجريدهما‭ ‬من‭ ‬الجنسية‭ ‬الليبية‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ثمة‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬القيام‭ ‬بانقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬والإطاحة‭ ‬بالنظام‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬فالملك‭ ‬إدريس‭ ‬لم‭ ‬يرتكب‭ ‬أي‭ ‬جرم‭ ‬يستدعي‭ ‬الإطاحة‭ ‬به‭ ‬والحكم‭ ‬بإعدامه،‭ ‬والنظام‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ديكتاتوريًا‭ ‬طاغيًا‭ ‬متسلطًا‭ ‬مستبدًا،‭ ‬ولم‭ ‬يرتكب‭ ‬جرائم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬مجازر‭ ‬وحشية‭ ‬بحق‭ ‬شعبه‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬نظام‭ ‬القذافي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬الانقلابية،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬الملك‭ ‬إدريس‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬أو‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬ولم‭ ‬يبدد‭ ‬خيرات‭ ‬شعبه‭ ‬وثروات‭ ‬بلاده‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬أتى‭ ‬بعده،‭ ‬ولم‭ ‬ينصب‭ ‬العداوة‭ ‬لجيرانه،‭ ‬أو‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونهم‭ ‬الداخلية،‭ ‬ولم‭ ‬يشن‭ ‬أو‭ ‬يعرض‭ ‬بلاده‭ ‬لحرب‭ ‬أو‭ ‬اعتداء،‭ ‬ولم‭ ‬يفرط‭ ‬في‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬تراب‭ ‬الوطن‭.‬

هذه‭ ‬حقائق‭ ‬دامغة‭ ‬معروفة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬النقاش‭ ‬ولا‭ ‬يطالها‭ ‬الشك‭ ‬أو‭ ‬الريب‭.‬

ولقد‭ ‬شن‭ ‬الانقلابيون‭ ‬الليبيون،‭ ‬شأنهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬أقرانهم‭ ‬من‭ ‬الانقلابيين‭ ‬العرب،‭ ‬حملة‭ ‬شعواء‭ ‬ظالمة‭ ‬للتشهير‭ ‬بالملك‭ ‬إدريس‭ ‬وطمس‭ ‬صورته‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وإسقاط‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬وقطع‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬عنه،‭ ‬وعملوا‭ ‬جاهدين‭ ‬على‭ ‬تشويه‭ ‬سمعته،‭ ‬وانكروا‭ ‬إنجازاته‭ ‬وتنكروا‭ ‬للدور‭ ‬التاريخي‭ ‬الرائد‭ ‬الذي‭ ‬اضطلع‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬استقلال‭ ‬ليبيا‭ ‬ووحدتها‭.‬

لقد‭ ‬استجاب‭ ‬الله‭ ‬بالفعل‭ ‬لنداء‭ ‬المتظاهرين‭ ‬ولدعوة‭ ‬الملك‭ ‬إدريس،‭ ‬فصار‭ ‬القذافي‭ ‬أكثر‭ ‬شرا‭ ‬وفسادً‭ ‬ودمارًا‭ ‬من‭ ‬إبليس‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬ومقدرات‭ ‬شعبها؛‭ ‬فخلال‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬الانقلاب‭ ‬تمكن‭ ‬القذافي‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة،‭ ‬وصار‭ ‬الديكتاتور‭ ‬المتسلط‭ ‬والحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬الوحيد‭ ‬للبلاد‭ ‬طيلة‭ ‬42‭ ‬عاما،‭ ‬وألغى‭ ‬الدستور‭ ‬الليبي‭ ‬لتظل‭ ‬البلاد‭ ‬بلا‭ ‬دستور‭ ‬طيلة‭ ‬فترة‭ ‬حكمه،‭ ‬كما‭ ‬ألغى‭ ‬القذافي‭ ‬الصحافة‭ ‬الحرة‭ ‬وكل‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬والمنظمات‭ ‬والجمعيات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وتفتق‭ ‬ذهنه‭ ‬عما‭ ‬أسماه‭ ‬بـ‭ ‬“النظرية‭ ‬العالمية‭ ‬الثالثة”‭ ‬وقيام‭ ‬“سلطة‭ ‬الشعب”‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬تفريغ‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬والسلطات‭ ‬الرقابية‭ ‬من‭ ‬دورها‭ ‬ومحتواها‭ ‬وسلطاتها‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬هيمن‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬والمشهد‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬جوانبه،‭ ‬وأحكم‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬وثروات‭ ‬البلاد،‭ ‬وأصبح‭ ‬القائد‭ ‬والزعيم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينازع،‭ ‬بدأت‭ ‬طموحاته‭ ‬وأطماعه‭ ‬وأحلامه‭ ‬تتمدد‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬الليبية؛‭ ‬وأصبح‭ ‬يصف‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ ‬“ملك‭ ‬ملوك‭ ‬إفريقيا”‭ ‬و”إمام‭ ‬المسلمين”‭ ‬و”عميد‭ ‬الحكام‭ ‬العرب”،‭ ‬وأنه‭ ‬“قائد‭ ‬ومفكر‭ ‬أممي”‭.‬

ولم‭ ‬يتورع‭ ‬القذافي‭ ‬عن‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬ودعم‭ ‬وتمويل‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وتدبير‭ ‬الاغتيالات‭ ‬والتصفيات‭ ‬الجسدية،‭ ‬وتتبع‭ ‬وقتل‭ ‬المعارضين،‭ ‬وتفجير‭ ‬الطائرات‭ ‬المدنية،‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭ ‬وتشجيع‭ ‬الاضطرابات‭ ‬وتدبير‭ ‬المؤامرات‭ ‬والانقلابات‭ ‬فيها،‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬القوى،‭ ‬واجتياح‭ ‬حدود‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتعريض‭ ‬ليبيا‭ ‬للقصف‭ ‬والحصار‭ ‬والعزلة‭ ‬والعقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬ودفع‭ ‬التعويضات‭ ‬الباهظة‭ ‬وتبديد‭ ‬ثروات‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬وخيراته‭.‬

وبعد‭ ‬مضي‭ ‬42‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬انقضاء‭ ‬حكم‭ ‬إدريس‭ ‬الملك‭ ‬الورع؛‭ ‬تخلص‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬والأسرة‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬إبليس‭ ‬القذافي‭ ‬المستبد‭.‬