ومضة قلم

أثرياؤنا وأثرياؤهم

| محمد المحفوظ

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يستحوذ‭ ‬أصحاب‭ ‬الثروات‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تقدر‭ ‬بالملايين‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬68‭.‬8‭ % ‬من‭ ‬الثروة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يبقى‭ ‬الآخرون‭ ‬في‭ ‬النسبة‭ ‬المتبقية‭ ‬وهي‭ ‬ضئيلة،‭ ‬بالطبع‭ ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬الأثرياء‭ ‬بالعشرات،‭ ‬وربما‭ ‬بالمئات،‭ ‬وهنا‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬سؤال،‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬مساهمة‭ ‬حقيقية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬المجتمع؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬لهم‭ ‬إسهامات‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنساني‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة،‭ ‬لكن‭ ‬المؤسف‭ ‬أنّ‭ ‬الفئة‭ ‬الأكبر‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬حقيقي‭.‬

ولو‭ ‬أننا‭ ‬وضعنا‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يتبرع‭ ‬به‭ ‬أصحاب‭ ‬الثروات‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فإن‭ ‬المقارنة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬صالحنا‭ ‬البتة،‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬أعلن‭ ‬الملياردير‭ ‬بيل‭ ‬غيتس‭ ‬مؤسس‭ ‬شركة‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬ورئيسها‭ ‬التنفيذي‭ ‬عن‭ ‬تبرعه‭ ‬بمبلغ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬ثروته‭ ‬الهائلة‭ ‬للجمعيات‭ ‬الخيرية،‭ ‬وعندما‭ ‬سئل‭ ‬كيف‭ ‬يتبرع‭ ‬بهذا‭ ‬المبلغ‭ ‬الضخم‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬“الأكفان‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬جيوب”،‭ ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬دلالة‭ ‬بليغة‭. ‬إن‭ ‬الإشارة‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬مقولة‭ ‬بيل‭ ‬غيتس‭ ‬أنّ‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬كونها‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬حياته‭ ‬لن‭ ‬يحملها‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭ ‬الذي‭ ‬سيوارى‭ ‬فيه،‭ ‬وبالطبع‭ ‬ليس‭ ‬بيل‭ ‬غيتس‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬أعلن‭ ‬تبرعه،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬آخرون‭ ‬تبرعوا‭ ‬بنصف‭ ‬ثرواتهم‭ ‬للأعمال‭ ‬الخيرية‭. ‬

أليست‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬أجدر‭ ‬بأن‭ ‬نجد‭ ‬فيها‭ ‬ظاهرة‭ ‬مشابهة‭ ‬لما‭ ‬أقدم‭ ‬عليه‭ ‬أثرياء‭ ‬العالم؟‭ ‬خصوصا‭ ‬أنّ‭ ‬تعاليم‭ ‬ديننا‭ ‬الإسلامي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإنفاق‭ ‬والتصدق‭ ‬والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يتضمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمة‭ ‬والأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭ ‬التي‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬التصدق‭. ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬أحدا‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬ما‭ ‬يعيشه‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬من‭ ‬فقر‭ ‬مدقع،‭ ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬مبعث‭ ‬قلق‭ ‬لدى‭ ‬المسؤولين‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإنّ‭ ‬أغلبية‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬وضعت‭ ‬بين‭ ‬أولوياتها‭ ‬مكافحة‭ ‬الفقر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬توفر‭ ‬“الضروريات‭ ‬اللازمة‭ ‬للبقاء،‭ ‬بل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬والتواصل‭ ‬وفي‭ ‬حدود‭ ‬معينة‭ ‬يعني‭ ‬احترام‭ ‬الذات‭ ‬والآخرين”‭.‬

الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الأسف‭ ‬بل‭ ‬الاستهجان‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يحجم‭ ‬فيه‭ ‬الأثرياء‭ ‬عن‭ ‬إقامة‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬إنساني‭ ‬أو‭ ‬خيري‭ ‬نشاهد‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬لا‭ ‬يترددون‭ ‬عن‭ ‬التبذير‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬تافهة‭ ‬وغير‭ ‬ذات‭ ‬جدوى‭. ‬تراودنا‭ ‬أمنية‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الثروات‭ ‬الأسطورية‭ ‬بتنمية‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬والإنفاق‭ ‬بنسبة‭ ‬من‭ ‬أموالهم‭ ‬مصداقا‭ ‬للآية‭ ‬الكريمة‭ ‬“وفي‭ ‬أموالهم‭ ‬حق‭ ‬معلوم‭ ‬للسائل‭ ‬والمحروم”‭.‬