ريشة في الهواء

غرائب البشر!

| أحمد جمعة

رغم‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬حلم‭ ‬الجميع‭ ‬ومصدر‭ ‬إلهام‭ ‬أغلبية‭ ‬البشر،‭ ‬لكنها‭ ‬بالوقت‭ ‬ذاته‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬وتوتر‭ ‬للكثيرين،‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬مغزى‭ ‬السعادة،‭ ‬وأين‭ ‬تكمن،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يقضي‭ ‬جل‭ ‬عمره‭ ‬يبحث‭ ‬ويفتش‭ ‬عنها‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬مرحلة‭ ‬الشقاء،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬قدميه‭ ‬ولا‭ ‬يراها‭ ‬لأنه‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عنها‭ ‬بمكان‭ ‬آخر،‭ ‬وقد‭ ‬اتضح‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بخضم‭ ‬معركة‭ ‬العالم‭ ‬مع‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭.‬

فخذ‭ ‬مثالاً‭ ‬حيًا‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أصابهم‭ ‬صداع‭ ‬روتيني‭ ‬انتابهم‭ ‬الهلع‭ ‬وخاضوا‭ ‬معركة‭ ‬مع‭ ‬الأفكار‭ ‬السوداوية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تبلغ‭ ‬بهم‭ ‬حد‭ ‬بلوغ‭ ‬توجسهم‭ ‬درجة‭ ‬إصابتهم‭ ‬بأمراض‭ ‬مزمنة‭ ‬أو‭ ‬خبيثة،‭ ‬لكن‭ ‬لو‭ ‬تتبعت‭ ‬تصرفاتهم‭ ‬وسلوكم‭ ‬اليومي‭ ‬المعتاد‭ ‬لوجدتهم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬غير‭ ‬معقول‭ ‬ولا‭ ‬منطقي‭ ‬في‭ ‬الاستهتار‭ ‬بحياتهم‭ ‬وحياة‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬خذ‭ ‬النساء‭ ‬والرجال،‭ ‬كبارا‭ ‬وصغارا،‭ ‬الذين‭ ‬ستراهم‭ ‬يغزون‭ ‬الأسواق‭ ‬والمجمعات‭ ‬ومحلات‭ ‬الخياطة‭ ‬وبيع‭ ‬الحلوى‭ ‬والمكسرات،‭ ‬في‭ ‬ازدحام‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬زمن‭ ‬كورونا،‭ ‬مستهترين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أدنى‭ ‬درجة‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الالتزام‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬مراعاة‭ ‬السلامة،‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنفسهم‭ ‬الذين‭ ‬يصيبهم‭ ‬القلق‭ ‬لو‭ ‬تعرضوا‭ ‬لزكام‭.‬

أستغرب‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬وهم‭ ‬يغزون‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬دون‭ ‬مشاعر،‭ ‬ولا‭ ‬أحاسيس‭ ‬كأنهم‭ ‬كائنات‭ ‬فضائية‭ ‬غريبة‭ ‬لا‭ ‬تتملكهم‭ ‬أحاسيس‭ ‬بالحياة،‭ ‬ولا‭ ‬مسؤولية‭ ‬بقيم‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬يشْقون‭ ‬بالبحث‭ ‬عنها‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يتجاهلون‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الجري‭ ‬وراء‭ ‬الملابس‭ ‬والاحتفالية‭ ‬والأكل‭ ‬والزهو،‭ ‬لكنها‭ ‬بأبسط‭ ‬شعور‭ ‬بالمشاركة‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬الحياة‭ ‬بأنها‭ ‬السلامة‭ ‬للجميع،‭ ‬ليس‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالعيد‭ ‬أو‭ ‬الصلاة‭ ‬بالمسجد‭ ‬جماعة،‭ ‬شرط‭ ‬الشعور‭ ‬بالرضا،‭ ‬بل‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬بالمنزل‭ ‬وتحتفل‭ ‬مع‭ ‬أسرتك‭ ‬حولك،‭ ‬بوجبة‭ ‬معدة‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬بروح‭ ‬طيبة‭ ‬ونفس‭ ‬شهي‭ ‬حتى‭ ‬تغمر‭ ‬السعادة‭ ‬الجميع‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المجازفة‭ ‬بالتجول‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬والاحتكاك‭ ‬بالمصابين‭ ‬وتعريض‭ ‬نفسك‭ ‬وغيرك‭ ‬للأذى‭ ‬لمجرد‭ ‬رغبة‭ ‬زائفة‭ ‬بالاحتفال‭ ‬بالعيد‭ ‬أو‭ ‬بأية‭ ‬مناسبة‭ ‬تجلب‭ ‬لك‭ ‬الخطر‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭.‬

ألم‭ ‬أقل‭ ‬لكم‭ ‬إننا‭ ‬ونحن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة،‭ ‬نضيعها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أنها‭ ‬بأبسط‭ ‬الأشياء‭ ‬وليست‭ ‬في‭ ‬أعقدها‭ ‬كما‭ ‬نظن،‭ ‬مشكلتنا‭ ‬كبشر،‭ ‬ضيق‭ ‬الأفق‭ ‬لدينا‭ ‬وقلة‭ ‬الخيال‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجعلنا‭ ‬نصنع‭ ‬السعادة‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬نتخيلها‭ ‬وليس‭ ‬بخوضِ‭ ‬المعارك‭ ‬اليومية‭ ‬الروتينية‭ ‬القاتلة‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬أيامكم‭ ‬سعيدة‭.‬

 

تنويرة‭:

‬حرر‭ ‬نفسك‭ ‬أولاً‭ ‬من‭ ‬القيود،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬بتحرير‭ ‬العالم‭.‬