ريشة في الهواء

كشجرة السنديان

| أحمد جمعة

ليس‭ ‬انتقاصا‭ ‬لجيل‭ ‬الشباب‭ ‬ولا‭ ‬تقليلا‭ ‬من‭ ‬دورهم‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الحضاري‭ ‬والإنساني‭ ‬للأمم،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬دور‭ ‬الكبار‭ ‬وخبرتهم‭ ‬وحنكتهم‭ ‬أساس‭ ‬حفظ‭ ‬الأمم،‭ ‬ومهمة‭ ‬الشباب‭ ‬وهم‭ ‬يؤدون‭ ‬دورهم‭ ‬بجدارةٍ‭ ‬وحيوية‭ ‬وحماس‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬تجربة‭ ‬الكبار‭ ‬وتأمّل‭ ‬حكمتهم‭ ‬بإدارة‭ ‬الأمم،‭ ‬وكيف‭ ‬حافظ‭ ‬هؤلاء‭ ‬المخضرمون‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬المحافظة‭ ‬بدورهم‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬وضعها‭ ‬الكبار‭ ‬وأثبتت‭ ‬سدادها‭ ‬وقوتها‭ ‬في‭ ‬الوقوف‭ ‬بوجه‭ ‬العواصف‭ ‬واجتياز‭ ‬المحن‭.‬

هناك‭ ‬دائمًا‭ ‬حكمة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة‭: ‬لا‭ ‬أمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التحدي‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬جذور،‭ ‬فالجذور‭ ‬أساس‭ ‬النمو‭ ‬والبقاء‭ ‬والتعايش‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات،‭ ‬تمامًا‭ ‬كأشجار‭ ‬السنديان‭ ‬العملاقة‭ ‬الضاربة‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الأرض‭ ‬وتحملها‭ ‬البيئة‭ ‬والظروف‭ ‬والطقس‭ ‬والعواصف،‭ ‬تزيدها‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬قوة‭ ‬بالأرض‭ ‬وبقاء‭ ‬بالسنين‭ ‬لتكون‭ ‬رمزا‭ ‬للاستمرارية‭.‬

ما‭ ‬دفعني‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬للكتابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬جيلين‭ ‬وقوتين،‭ ‬هو‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬وليس‭ ‬بلادنا‭ ‬فقط،‭ ‬فنحن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬الذي‭ ‬إذا‭ ‬تعرض‭ ‬منه‭ ‬جزء‭ ‬للأذى‭ ‬تعرضت‭ ‬بقية‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة،‭ ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬وعاصفة‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تحملت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الوضع،‭ ‬وصمدت‭ ‬بوجه‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬فقد‭ ‬تعرض‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬لخسارة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يملك،‭ ‬من‭ ‬بيوت‭ ‬خربت‭ ‬ووظائف‭ ‬فقدت‭ ‬ومجاعات‭ ‬عمت‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬بهذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬أزمات،‭ ‬فنحن‭ ‬نشكر‭ ‬نعمة‭ ‬الاستمرار‭ ‬بقوة‭ ‬وتحد،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بحكمة‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬أسسوا‭ ‬ووضعوا‭ ‬القواعد‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬واستفاد‭ ‬منها‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬وتعلم‭ ‬منها‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يدوم‭ ‬حتى‭ ‬تدوم‭ ‬النعم‭.‬

العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭ ‬والغد،‭ ‬علاقة‭ ‬جدلية‭ ‬وإنسانية،‭ ‬وعلاقة‭ ‬عمل‭ ‬وإنجاز،‭ ‬فما‭ ‬وضعهُ‭ ‬الأولون‭ ‬يمشي‭ ‬عليه‭ ‬الحاضر‭ ‬ويستفيد‭ ‬منه‭ ‬القادم،‭ ‬فالحياة‭ ‬تسير‭ ‬بجدلية‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬اليوم‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬الغد،‭ ‬ومثلما‭ ‬يتعلم‭ ‬الشباب‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الكبار‭ ‬ويمضون‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬القواعد‭ ‬معهم‭ ‬سيتحول‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬اليوم‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬غدًا،‭ ‬وهكذا‭ ‬تسير‭ ‬الحياة‭ ‬وبهذه‭ ‬الآلية‭ ‬والفلسفة‭ ‬تصمد‭ ‬وتستمر‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬والتطور‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬عليه‭ ‬تجربة‭ ‬بلدنا‭ ‬بالتعلم‭ ‬والتأمل‭ ‬والسير‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬حفظوا‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

لا‭ ‬تصدق‭ ‬من‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬يحبك‭ ‬وقت‭ ‬الرخاء‭.‬