الإعلام الغربي في زمن كورونا.. رعب.. عنصرية

| مؤنس المردي

لا‭ ‬أحد‭ ‬ينكر‭ ‬ما‭ ‬للإعلام‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأوقات،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬يكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬إضافية‭ ‬ويكون‭ ‬أكثر‭ ‬حساسية‭ ‬وتأثيرًا‭ ‬عند‭ ‬الأزمات‭ ‬والمحن،‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭ ‬عدة،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭) ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬رحمة‭. ‬هنا‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الإعلام‭ ‬مهمة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬التوعية‭ ‬الصحيحة‭ ‬بالوباء،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬التهويل‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬التهوين،‭ ‬والتثبت‭ ‬من‭ ‬المعلومة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاختصاص‭ ‬والخبرة،‭ ‬ومنع‭ ‬انتشار‭ ‬الخاطئ‭ ‬منها‭ ‬وتصحيحه،‭ ‬وحث‭ ‬الجمهور‭ ‬وإرشادهم‭ ‬للاستماع‭ ‬والالتزام‭ ‬بما‭ ‬تصدره‭ ‬الجهات‭ ‬الطبية‭ ‬والرسمية،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬من‭ ‬تنوع‭ ‬وغزارة‭ ‬في‭ ‬المنصات‭ ‬الإعلامية‭.‬

ولكن،‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬بدل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬دافعًا‭ ‬لإعلام‭ ‬موحد‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬والهدف‭ ‬وأكثر‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬والعمل،‭ ‬وجدنا‭ ‬ارتباكًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬يصف‭ ‬نفسه‭ - ‬وكنا‭ ‬نظنه‭ - ‬بالأكثر‭ ‬حيادية‭ ‬ودقة‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬أو‭ ‬كتابة‭ ‬الأخبار‭ ‬وكشف‭ ‬الحقائق،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬ومنذ‭ ‬ظهور‭ ‬الجائحة‭ ‬يتخبط،‭ ‬ويهمل‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬ويبتعد‭ ‬عن‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتباهى‭ ‬بها‭ ‬ويجعل‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬نموذجًا‭ ‬للآخرين‭ ‬فيها‭.‬

يشير‭ ‬بحث‭ ‬لكارين‭ ‬وال‭ ‬جورجينسين،‭ ‬وهي‭ ‬مديرة‭ ‬تطوير‭ ‬البحوث‭ ‬والبيئة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الصحافة‭ ‬بجامعة‭ ‬كارديف‭ ‬البريطانية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬كان‭ ‬السمة‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬تقديمها‭ ‬لجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬إذ‭ ‬ذكرت‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬تقريبًا‭ (‬من‭ ‬12‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬وحتى‭ ‬13‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2020‭) ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬1066‭ ‬مقالا‭ ‬عن‭ ‬الفيروس‭ ‬تطغى‭ ‬عليها‭ ‬سمات‭ ‬الخوف‭ ‬والهلع‭ ‬والتهويل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬وصف‭ ‬50‭ ‬مقالا‭ ‬الفيروس‭ ‬بالقاتل،‭ ‬وكانت‭ ‬أكثر‭ ‬الصور‭ ‬المتداولة‭ ‬هي‭ ‬مدينة‭ ‬ووهان‭ ‬الصينية،‭ ‬وبهذا‭ ‬كانت‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تفجر‭ ‬التعليقات‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صيني‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬التفسير‭ ‬التآمري‭ ‬للوقائع‭ ‬الضخمة‭ ‬والأحداث‭ ‬عميق‭ ‬الأثر‭ ‬والتأثير،‭ ‬والإيمان‭ ‬بنظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬صفة‭ ‬لصيقة‭ ‬بالعرب،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬وجدنا‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬نفسه‭ ‬يجنح‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النظريات‭ ‬عند‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الجائحة،‭ ‬بل‭ ‬قرأنا‭ ‬وشاهدنا‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬أميركا،‭ ‬يتكلمون‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬مؤامرة‭ ‬دولية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭ ‬الكونية‭.‬

بظني‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬افتقد‭ ‬الهدف‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬وفي‭ ‬ظله،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬معالجته‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬غامضا‭ ‬في‭ ‬تطوراته‭ ‬ودرجة‭ ‬فتكه،‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬بذلك‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الرعب‭ ‬وإحياء‭ ‬العنصرية‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭.‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رعب‭ ‬أو‭ ‬هلع‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬تفشي‭ ‬العنصرية،‭ ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

ومن‭ ‬حسن‭ ‬الحظ‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬فطن‭ ‬لذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأثر‭ ‬فترة‭ ‬بالإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬لكن‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬عاد‭ ‬لدوره‭ ‬ووضعه‭ ‬الطبيعي‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬ناقلا‭ ‬عن‭ ‬المصادر‭ ‬الرسمية‭ ‬والجهات‭ ‬المعنية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬سيل‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬والمعلومات‭ ‬المتناقضة‭ ‬التي‭ ‬تخلق‭ ‬ضبابية‭ ‬وارتباكًا،‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬أفضل‭ ‬حالا‭ ‬وأقل‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬التورط‭ ‬فيما‭ ‬تورط‭ ‬فيه‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬سلبية‭ ‬خطيرة‭ ‬كنشر‭ ‬الرعب‭ ‬والعنصرية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬يتوافر‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عتاد‭ ‬وأسلحة‭ ‬إعلامية‭ ‬لا‭ ‬يمتلكها‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي‭.‬