لجنة “يونسيترال” والتحكيم التجاري

| د. عبدالقادر ورسمه

يلعب‭ ‬التحكيم‭ ‬التجاري‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬حسم‭ ‬المنازعات‭ ‬التجارية‭ ‬وتوفير‭ ‬العدالة‭ ‬السريعة،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬ضروريات‭ ‬الحياة‭ ‬لتستقر‭ ‬الأمور‭ ‬والأعمال‭ ‬ويجد‭ ‬الخصوم‭ ‬ضالتهم‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭.‬

والتحكيم‭ ‬معروف‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬وكل‭ ‬الحضارات‭ ‬تعرفه‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭. ‬ولكن،‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬وبسبب‭ ‬العولمة‭ ‬وتطور‭ ‬وتداخل‭ ‬الأعمال،‭ ‬تطورت‭ ‬المنازعات‭ ‬وتشعبت‭ ‬وهذا‭ ‬قاد‭ ‬لبروز‭ ‬نظرة‭ ‬جديدة‭ ‬للتحكيم‭ ‬ليلعب‭ ‬دوره‭ ‬الهام‭ ‬وليأخذ‭ ‬مكانه‭ ‬المرموق‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬العدالة‭.‬

ولهذا،‭ ‬أنشأت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لجنة‭ ‬خاصة‭ ‬تسمى‭ ‬اختصارا‭ ‬“يونسيترال”،‭ ‬لوضع‭ ‬معايير‭ ‬قانونية‭ ‬جديدة‭ ‬للتحكيم‭ ‬لتسترشد‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬عند‭ ‬وضع‭ ‬قوانينها‭ ‬المنظمة‭ ‬للتحكيم‭ ‬ليسير‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬متقارب‭ ‬يخدم‭ ‬كل‭ ‬أطراف‭ ‬العالم‭.‬

وبالفعل،‭ ‬قامت‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬بالاقتباس‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬النموذجي‭ ‬للتحكيم‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬لجنة‭ ‬“يونسيترال”‭.‬

والجدير‭ ‬ذكره،‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬التحكيم‭ ‬البحريني،‭ ‬تضمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬“يونسيترال”‭. ‬ولهذا،‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬يعتبر‭ ‬مماثلا‭ ‬للأحكام‭ ‬والمعايير‭ ‬الدولية‭ ‬ويصب‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الإطار‭ ‬الدولي‭. ‬والتحكيم‭ ‬يعطي‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬لأطراف‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬القرار‭ ‬“النهائي”‭ ‬لحسم‭ ‬النزاع،‭ ‬وقانونا‭ ‬قابل‭ ‬للتنفيذ‭. ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬تتكون‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬فنيين‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬النزاع،‭ ‬وهذه‭ ‬ميزة‭ ‬مهمة‭. ‬وكذلك‭ ‬يحق‭ ‬للأطراف‭ ‬اختيار‭ ‬القانون‭ ‬الواجب‭ ‬التطبيق‭ ‬على‭ ‬النزاع،‭ ‬اختيار‭ ‬مكان‭ ‬التحكيم‭ ‬ولغة‭ ‬التحكيم‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الإجرائية‭ ‬الأخرى‭. ‬وهذه‭ ‬الحرية،‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اللجوء‭ ‬للتحكيم‭ ‬ويتم‭ ‬السير‭ ‬فيه‭ ‬وفق‭ ‬إرادة‭ ‬الأطراف‭ ‬ورغبتهم‭ ‬الحرة‭. ‬

إن‭ ‬التطابق‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية،‭ ‬فيه‭ ‬حافز‭ ‬للمستثمر‭ ‬الأجنبي‭ ‬لأنه‭ ‬مطمئن‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬العدالة،‭ ‬خاصة،‭ ‬وأنه‭ ‬يجوز‭ ‬له‭ ‬اختيار‭ ‬قانون‭ ‬بلده‭ ‬ليكون‭ ‬القانون‭ ‬الواجب‭ ‬التطبيق،‭ ‬واختيار‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬ومكان‭ ‬التحكيم‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المستثمر‭ ‬يجد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق،‭ ‬فماذا‭ ‬ينقصه‭. ‬وبالطبع،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬اللجوء‭ ‬للتحكيم‭ ‬لحسم‭ ‬النزاع‭. ‬وفي‭ ‬العادة،‭ ‬يصدر‭ ‬القرار‭ ‬النهائي‭ ‬للتحكيم‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬جدا‭ ‬قياسا‭ ‬مع‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تأخذها‭ ‬المحاكم‭. ‬والسرعة‭ ‬تجعل‭ ‬الأطراف‭ ‬يشعرون‭ ‬بطعم‭ ‬العدالة‭ ‬وروح‭ ‬سيادة‭ ‬القانون،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬وفي‭ ‬تطوير‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تزدهر‭ ‬عند‭ ‬توفر‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭. ‬ولكن،‭ ‬حتى‭ ‬نحقق‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوة،‭ ‬يجب‭ ‬الحرص‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬صياغة‭ ‬شرط‭ ‬التحكيم‭ ‬بصورة‭ ‬فنية‭ ‬سليمة‭ ‬حتى‭ ‬يؤتي‭ ‬أكله‭. ‬لأن‭ ‬سوء‭ ‬الصياغة‭ ‬قد‭ ‬يرتد‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬ويكون‭ ‬فيه‭ ‬ضرر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬النفع‭. ‬ويمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬شرط‭ ‬التحكيم‭ ‬“النموذجي”‭ ‬المذكور‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬التحكيم‭ ‬أو‭ ‬الرجوع‭ ‬للشروط‭ ‬النموذجية‭ ‬الدولية‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬المعروفة،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭. ‬

نقول،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬إن‭ ‬اللجوء‭ ‬للتحكيم‭ ‬أثبت‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬العالم‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الأفضل،‭ ‬بل‭ ‬الأمثل‭ ‬لتسوية‭ ‬المنازعات‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬قصير‭ ‬وسرية‭ ‬تامة‭ ‬تراعي‭ ‬مصالح‭ ‬الأطراف‭. ‬ولنسير‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬لنا‭ ‬ولغيرنا‭.‬