مع هيئة التأمين الاجتماعي وإنقاذ صناديقها (2-2)

| عبدالنبي الشعلة

كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬أمس،‭ ‬فإن‭ ‬المزايا‭ ‬والمنافع‭ ‬المستحقة‭ ‬للمؤمن‭ ‬عليهم‭ ‬لم‭ ‬تمس‭ ‬أو‭ ‬تخفض‭ ‬عندما‭ ‬حدث‭ ‬تخفيض‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مداخيل‭ ‬صندوق‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للتأمين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1986،‭ ‬بل‭ ‬حصل‭ ‬عكس‭ ‬ذلك؛‭ ‬فقد‭ ‬صدرت‭ ‬قرارات‭ ‬ومراسيم‭ ‬وسّعت‭ ‬وصعدت‭ ‬وحسنت‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المزايا‭ ‬والمنافع،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تذيل‭ ‬دائمًا‭ ‬عند‭ ‬صدورها‭ ‬بعبارة‭ ‬“وتتحمل‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للتأمين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الزيادات‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬القانون”‭.‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬1995‭ ‬تسلمتُ‭ ‬مسؤولية‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬هيئة‭ ‬التأمين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بحكم‭ ‬منصبي‭ ‬وزيرا‭ ‬للعمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وبقيت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2002،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الفترة؛‭ ‬وللحق‭ ‬وإرضاء‭ ‬الضمير‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬من‭ ‬الأطقم‭ ‬الإدارية‭ ‬والفنية‭ ‬وغيرها‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بكل‭ ‬الضوابط‭ ‬القانونية‭ ‬والإدارية‭ ‬وكل‭ ‬المعايير‭ ‬الفنية‭ ‬والمهنية‭ ‬والأخلاقية‭.‬

وكان‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفيذي‭ ‬للهيئة،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬مديرها‭ ‬العام‭ ‬المرحوم‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬الذي‭ ‬تميز‭ ‬بأعلى‭ ‬درجات‭ ‬الحس‭ ‬الوطني‭ ‬والانضباط‭ ‬والجدية‭ ‬والصدق‭ ‬والأمانة‭ ‬والإخلاص‭ ‬والتفاني،‭ ‬وعندما‭ ‬أقول‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬هدفي‭ ‬المديح‭ ‬والإطراء،‭ ‬وليس‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ ‬أي‭ ‬غرض‭ ‬أو‭ ‬مصلحة‭ ‬شخصية؛‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬يفرض‭ ‬الضمير‭ ‬ذكرها‭ ‬وتسجيلها،‭ ‬والرجل‭ ‬قد‭ ‬غادر‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وصعد‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬رب‭ ‬غفور‭ ‬رحيم‭ ‬كريم‭.‬

وكان‭ ‬جهاز‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬يعمل‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬الأخ‭ ‬حسن‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬الجلاهمة؛‭ ‬الشاب‭ ‬المهني‭ ‬المتمرس‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬المالية‭ ‬والمصرفية‭ ‬والاستثمارية،‭ ‬الذي‭ ‬وجدتُ‭ ‬فيه،‭ ‬ووجد‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الهيئة‭ ‬فيه،‭ ‬الكفاءة‭ ‬والحصافة‭ ‬والدراية‭ ‬الاستثمارية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الصدق‭ ‬والنزاهة‭ ‬والاستقامة‭ ‬ونظافة‭ ‬اليد‭ ‬وبياضها،‭ ‬والذي‭ ‬عين‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لديوان‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية،‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬مؤخرًا‭ ‬رئيسا‭ ‬لمجلس‭ ‬إدارة‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬وفور‭ ‬تسلمي‭ ‬لهذه‭ ‬المسؤولية،‭ ‬بادرت‭ ‬بالاطلاع‭ ‬على‭ ‬التقارير‭ ‬الهامة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأنشطة‭ ‬الهيئة‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الدراسات‭ ‬والتقارير‭ ‬الاكتوارية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وظلت‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬الهيئة‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬إجرائها‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬منتظم‭ ‬كما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬القانون‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬الدراسات‭ ‬الاكتوارية‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬قبل‭ ‬تسلمي‭ ‬للمسؤولية‭ ‬وخلالها‭ ‬أكدت‭ ‬الخلل‭ ‬الهيكلي‭ ‬والعجز‭ ‬الاكتواري‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬الصندوق؛‭ ‬نتيجة‭ ‬لارتفاع‭ ‬الالتزامات‭ ‬وانخفاض‭ ‬الموارد،‭ ‬والاتجاه‭ ‬المتسارع‭ ‬لزيادة‭ ‬حجم‭ ‬المصروفات‭ ‬على‭ ‬المدخول،‭ ‬واستنتجت‭ ‬أن‭ ‬هلاك‭ ‬وإفلاس‭ ‬الصندوق‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬حتمي‭ ‬للأسباب‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها‭ ‬آنفًا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬التصحيحية‭ ‬المطلوبة‭.‬

وفي‭ ‬البداية‭ ‬فقد‭ ‬اختلفت‭ ‬التقارير‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬سيلفظ‭ ‬فيه‭ ‬الصندوق‭ ‬أنفاسه‭ ‬الأخيرة؛‭ ‬وذلك‭ ‬تبعًا‭ ‬لرؤية‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬للمستجدات‭ ‬والمتغيرات‭ ‬والظروف‭ ‬المستقبلية‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬التدقيق‭ ‬الداخلي،‭ ‬فإن‭ ‬للهيئة‭ ‬مدققي‭ ‬حسابات‭ ‬خارجيين‭ ‬يقومون‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬بإجراء‭ ‬تدقيق‭ ‬مفصل‭ ‬للحساب‭ ‬الختامي‭ ‬للهيئة،‭ ‬والذي‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬إعداده‭ ‬يتم‭ ‬عرضة‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬ويخضع‭ ‬لمناقشات‭ ‬مستفيضة‭ ‬قبل‭ ‬إقراره‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجلس‭.‬

وفي‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬فيها‭ ‬رئيسًا‭ ‬لمجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الهيئة‭ ‬كانت‭ ‬المؤسسية‭ ‬المحاسبية‭ ‬الخارجية‭ ‬الموكل‭ ‬إليها‭ ‬مهمة‭ ‬التدقيق‭ ‬السنوي‭ ‬مؤسسة‭ ‬“كي‭ ‬بي‭ ‬إم‭ ‬جي”‭ ‬وهي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعرق‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأعرق‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬وأكثرها‭ ‬دقة‭ ‬وحرصًا‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والالتزام‭ ‬والتطبيق‭ ‬الصارم‭ ‬لكل‭ ‬المعايير‭ ‬والممارسات‭ ‬المحاسبية‭ ‬السليمة،‭ ‬وكان‭ ‬شريكها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وممثلها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬الأخ‭ ‬جمال‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬فخرو،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الشخصيات‭ ‬المهنية‭ ‬المحترفة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي‭ ‬والدولي‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الدراسات‭ ‬الاكتوارية‭ ‬الدورية‭ ‬والتقارير‭ ‬المحاسبية‭ ‬السنوية‭ ‬المدققة‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬قبل‭ ‬تحملي‭ ‬للمسؤولية‭ ‬أو‭ ‬أثناءها‭ ‬تضمنت‭ ‬ملاحظات‭ ‬وتحذيرات‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬وعواقب‭ ‬استمرار‭ ‬العجز‭ ‬الاكتواري،‭ ‬فإن‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬والدراسات‭ ‬لم‭ ‬يتضمن‭ ‬أي‭ ‬إشارة‭ ‬سلبية‭ ‬لنتائج‭ ‬استثمارات‭ ‬الهيئة‭ ‬أو‭ ‬السياسات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬نتائج‭ ‬استثمارات‭ ‬الهيئة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحا‭ ‬صافية،‭ ‬وأكررها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭: ‬كانت‭ ‬نتائج‭ ‬استثمارات‭ ‬الهيئة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحًا‭ ‬صافية‭ ‬بلغ‭ ‬معدلها‭ ‬السنوي‭ ‬نسبة‭ ‬7‭ % ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬تفوق‭ ‬وتزيد‭ ‬على‭ ‬النسب‭ ‬والمعدلات‭ ‬المحددة‭ ‬عالميًا‭ ‬والتي‭ ‬تقع‭ ‬بين‭ ‬3‭ % ‬و‭ ‬5‭ %‬،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الأنظمة‭ ‬والمعايير‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬والمتعلقة‭ ‬باستثمار‭ ‬أموال‭ ‬وأصول‭ ‬صناديق‭ ‬التأمينات‭ ‬الاجتماعية؛‭ ‬وبهدف‭ ‬صون‭ ‬وحماية‭ ‬أموال‭ ‬المؤمن‭ ‬عليهم،‭ ‬تُضيق‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬تصرف‭ ‬المسؤولين‭ ‬عنها،‭ ‬وتفرض‭ ‬عليهم‭ ‬التحفظ‭ ‬الشديد‭ ‬والحيطة‭ ‬والحذر،‭ ‬وتوجيه‭ ‬غالبية‭ ‬أو‭ ‬معظم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬إلى‭ ‬المجالات‭ ‬والمشروعات‭ ‬والحقائب‭ ‬الاستثمارية‭ ‬الآمنة‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬المجازفات‭ ‬والمضاربات‭ ‬والمخاطر،‭ ‬وتجنُب‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المشروعات‭ ‬المغرية‭ ‬التي‭ ‬تَعِدُ‭ ‬بفوائد‭ ‬وأرباح‭ ‬مرتفعة،‭ ‬فالقاعدة‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬أرتفع‭ ‬مستوى‭ ‬توقعات‭ ‬المردود‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبة‭ ‬المخاطر‭ ‬وإمكانات‭ ‬الإخفاق‭ ‬والخسارة،‭ ‬فالعلاقة‭ ‬طردية‭ ‬هنا‭ ‬أيضًا‭.‬

كما‭ ‬توصي‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬بعدم‭ ‬حصر‭ ‬أو‭ ‬تركيز‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬مشروع‭ ‬واحد‭ ‬مهما‭ ‬بدا‭ ‬مربحًا‭ ‬ومغريًا،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬توزيعها‭ ‬على‭ ‬حقائب‭ ‬استثمارية‭ ‬متعدد،‭ ‬بحيث‭ ‬إذا‭ ‬تعرضت‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحقائب‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬لا‭ ‬يتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬خسائر‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬أو‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الهيئة‭ ‬ملتزمة‭ ‬بهذه‭ ‬المعايير‭.‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬ناقش‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬أوضاع‭ ‬صندوق‭ ‬التأمينات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بحضور‭ ‬الوزراء‭ ‬والمسؤولين‭ ‬المعنيين،‭ ‬وخلال‭ ‬النقاش‭ ‬طرح‭ ‬أحد‭ ‬الأعضاء‭ ‬المنتمين‭ ‬لأحد‭ ‬الكتل‭ ‬الدينية‭ ‬اقتراحًا‭ ‬بإعطاء‭ ‬المرأة‭ ‬حق‭ ‬التقاعد‭ ‬المبكر‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تستحق‭ ‬80‭ % ‬من‭ ‬راتبها‭ ‬كراتب‭ ‬تقاعدي؛‭ ‬لكي‭ ‬تتاح‭ ‬لها‭ ‬الفرصة‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬لأداء‭ ‬واجبها‭ ‬المقدس‭ ‬ودورها‭ ‬الأساسي‭ ‬كربة‭ ‬بيت‭ ‬لرعاية‭ ‬الأسرة‭ ‬وتربية‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬عندها‭ ‬وقف‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للهيئة‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المطالبة‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬المنافع‭ ‬للمؤمن‭ ‬عليهم‭ ‬قائلًا‭ ‬إن‭ ‬صندوق‭ ‬التأمينات‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬وإنه‭ ‬مفلس‭ ‬اكتواريًا‭.‬

ضج‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬لهذا‭ ‬التصريح‭ ‬وكأنهم‭ ‬يسمعون‭ ‬به‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬وطالبوا‭ ‬بتشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬برلمانية‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬واتهموا‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬الصندوق‭ ‬بالتقصير‭ ‬وسوء‭ ‬الإدارة،‭ ‬ودعوا‭ ‬إلى‭ ‬استجواب‭ ‬ثلاثة‭ ‬وزراء‭ ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬واحدًا‭ ‬منهم‭ ‬بغية‭ ‬حجب‭ ‬الثقة‭ ‬عنهم؛‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬دستوري‭ ‬مكفول‭ ‬لهم،‭ ‬وعليه‭ ‬وافق‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬طلبهم‭.‬

وبعد‭ ‬ثمانية‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬المداولات‭ ‬والتحقيق‭ ‬والتمحيص‭ ‬الذي‭ ‬شمل‭ ‬الاستجواب‭ ‬والبحث‭ ‬والتقصي‭ ‬والتحري‭ ‬والتدقيق؛‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬اللجنة‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬أو‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أدلة‭ ‬تؤكد‭ ‬وتثبت‭ ‬الاتهام،‭ ‬فسقط‭ ‬الاتهام‭ ‬وسقط‭ ‬معه‭ ‬طلب‭ ‬حجب‭ ‬الثقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬سبعة‭ ‬أصوات‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬40‭ ‬صوتًا‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬العدد‭ ‬الكلي‭ ‬للمجلس‭.‬

وقد‭ ‬أرست‭ ‬الحكومة‭ ‬الموقرة‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬برنامجًا‭ ‬للتقاعد‭ ‬المبكر‭ ‬الاختياري‭ ‬لموظفيها‭ ‬عبر‭ ‬القنوات‭ ‬القانونية،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬إلغاء‭ ‬الوظائف‭ ‬المستهدفة،‭ ‬وبغرض‭ ‬تقليص‭ ‬عدد‭ ‬موظفيها،‭ ‬وتخفيض‭ ‬المصاريف‭ ‬وإحداث‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬وإتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لتدعيم‭ ‬الجهاز‭ ‬الحكومي‭ ‬بدماء‭ ‬جديدة،‭ ‬وهي‭ ‬أغراض‭ ‬وأهداف‭ ‬جوهرية‭ ‬وجيهة‭ ‬تكررت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المطالبات‭ ‬بتحقيقها‭.‬

ومن‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬كريمة‭ ‬وسخية‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬عرضها‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬جاذبًا‭ ‬ومغريًا‭ ‬بحيث‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬انطبقت‭ ‬عليهم‭ ‬الشروط‭ ‬واستفادوا‭ ‬من‭ ‬البرنامج‭ ‬وانضموا‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬“المتقاعدين‭ ‬قبل‭ ‬الأوان”‭ ‬حوالي‭ ‬9000‭ ‬موظف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬ارتفاع‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬عجز‭ ‬صندوق‭ ‬التقاعد‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭.‬

والآن‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اتسعت‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الاشتراكات‭ ‬والمدفوعات‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ردمها‭ ‬بحلول‭ ‬ترقيعية‭ ‬مرحلية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تخطينا‭ ‬خط‭ ‬الإفلاس‭ ‬الاكتواري‭ ‬ودخلنا‭ ‬مرحلة‭ ‬الإفلاس‭ ‬الحقيقي‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2012،‭ ‬وتآكلت‭ ‬تدريجيًا‭ ‬الأموال‭ ‬الفائضة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متوافرة‭ ‬للاستثمار‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اضمحلال‭ ‬عوائد‭ ‬الاستثمار،‭ ‬ووصل‭ ‬العجز‭ ‬إلى‭ ‬14‭ ‬مليار‭ ‬دينار،‭ ‬واقترب‭ ‬موعد‭ ‬نفاد‭ ‬أموال‭ ‬وأصول‭ ‬الصندوق‭ ‬العام‭ ‬وانهياره‭ ‬بحلول‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬والصندوق‭ ‬الخاص‭ ‬بحلول‭ ‬سنة‭ ‬2033‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬حتمية‭ ‬ضياع‭ ‬كل‭ ‬الحقوق‭ ‬والاستحقاقات‭ ‬لكل‭ ‬المؤمن‭ ‬عليهم،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬بحدوثه‭ ‬قيادتنا‭ ‬الحكيمة‭ ‬وحكومتنا‭ ‬الرشيدة‭ ‬والمؤمن‭ ‬عليهم؛‭ ‬مع‭ ‬توفر‭ ‬الخيارات‭ ‬والحلول،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬شديد‭ ‬الألم‭ ‬والقسوة،‭ ‬والتي‭ ‬تضمنتها‭ ‬توصيات‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الهيئة‭ ‬وجاء‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬المرسوم‭ ‬الملكي‭ ‬الأخير،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬إلا‭ ‬إخضاع‭ ‬التوصيات‭ ‬الست‭ ‬الباقية‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬والمراجعة‭ ‬السريعة،‭ ‬وتحسينها‭ ‬إن‭ ‬أمكن،‭ ‬وتنفيذها‭ ‬في‭ ‬حزمة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬أمامنا‭ ‬متسع‭ ‬من‭ ‬الوقت‭.‬