عُشاقُ المظاهر... ألمْ ينقرضوا؟!

| هدى حرم

هؤلاء‭ ‬هُمْ،‭ ‬قبل‭ ‬كورونا‭ ‬وبعدها،‭ ‬لمْ‭ ‬يتغيرْ‭ ‬من‭ ‬قناعاتِهم‭ ‬شيء،‭ ‬حبُ‭ ‬المظاهر‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬عروقِهم‭ ‬بدلَ‭ ‬الدماء،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬ملاحقة‭ ‬آخرِ‭ ‬إصدارات‭ ‬الماركاتِ‭ ‬العالمية‭ ‬شُغلهمُ‭ ‬الشاغل،‭ ‬يُسارعونَ‭ ‬إلى‭ ‬اقتناءِ‭ ‬كلِ‭ ‬جديد‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مظهرهُ‭ ‬ومهما‭ ‬غلا‭ ‬ثمنه،‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬يحملُ‭ ‬اسمَ‭ ‬ماركةٍ‭ ‬تجاريةٍ‭ ‬عاليةَ‭ ‬الصِيت‭.‬

نحن‭ ‬لا‭ ‬نتحدثُ‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الفئةِ‭ ‬المعتدلةِ‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬الذين‭ ‬يقتنون‭ ‬الماركات‭ ‬المشهورة‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬مقنعة،‭ ‬كما‭ ‬يعتقدون،‭ ‬ولا‭ ‬يُبالغون‭ ‬في‭ ‬القيامِ‭ ‬بذلك‭. ‬هؤلاء‭ ‬يفضِّلونَ‭ ‬شراءَ‭ ‬أجودِ‭ ‬المنتجات‭ ‬لأنهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬بضاعةٍ‭ ‬ذاتَ‭ ‬جودة‭ ‬لا‭ ‬يعتريها‭ ‬الاهتراء‭ ‬سريعاً‭ ‬ويجدون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حكمة؛‭ ‬فهم‭ ‬يمارسون‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بالتسوق‭ ‬الذكي،‭ ‬كما‭ ‬أنَّهم‭ ‬يزعُمون‭ ‬أنّ‭ ‬المادةَ‭ ‬الأولية‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬صناعةِ‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البضائعِ‭ ‬المشهورة‭ ‬أكثرَ‭ ‬راحة‭ ‬وأقربَ‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة؛‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬مُصنَّعةً‭ ‬في‭ ‬الغالب؛‭ ‬وبذا‭ ‬فهي‭ ‬“تستاهلُ”‭ ‬كل‭ ‬فلسٍ‭ ‬يُدفعُ‭ ‬فيها،‭ ‬ويعتبرونها‭ ‬صفقةً‭ ‬مربحةً‭ ‬تظلُّ‭ ‬معهم‭ ‬عمراً‭ ‬مديداً،‭ ‬لا‭ ‬يحتاجون‭ ‬لتبديلها‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬وقتٍ‭ ‬طويل‭.‬

وبعد‭ ‬ظنِنا‭ ‬أنهم‭ ‬بدأوا‭ ‬بالانقراض،‭ ‬نرى‭ ‬أنَّ‭ ‬مُدمني‭ ‬الماركات‭ ‬الذين‭ ‬نتحدثُ‭ ‬عنهم‭ ‬اليوم،‭ ‬همُ‭ ‬المهووسونَ‭ ‬بشراءِ‭ ‬كلِ‭ ‬جديد‭ ‬يُطرحُ‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬من‭ ‬قِبلِ‭ ‬الشركاتِ‭ ‬التي‭ ‬تحملُ‭ ‬علاماتٍ‭ ‬تجاريةٍ‭ ‬عالمية‭ ‬معروفة،‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬المنتجُ،‭ ‬وبغضِّ‭ ‬النظرِ‭ ‬عن‭ ‬حاجتِهم‭ ‬له‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬هؤلاء‭ ‬يقتنونَ‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬ليملأوا‭ ‬خزائنَهم‭ ‬الممتلئةَ‭ ‬أصلاً،‭ ‬وليتفاخروا‭ ‬عبرَ‭ ‬وسائلِ‭ ‬التواصلِ‭ ‬المختلفة‭ ‬بامتلاكِهم‭ ‬كلِ‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬الماركات‭ ‬العالمية‭ ‬باختلافِ‭ ‬أنواعِها‭ ‬واستخداماتِها،‭ ‬حتى‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يملكونَ‭ ‬مكاناً‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬لتخزينها،‭ ‬ولا‭ ‬همْ‭ ‬بواردِ‭ ‬استعمالِها‭ ‬جميعها‭. ‬أليس‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الهوسِ‭ ‬البالغِ‭ ‬بالشيء‭ ‬والإسرافِ‭ ‬المنهي‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬شرعِ‭ ‬الله؟‭! ‬وإنْ‭ ‬كانوا‭ ‬يملكونَ‭ ‬أموالاً‭ ‬طائلةً‭ ‬على‭ ‬سبيلِ‭ ‬المثال،‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬الحكمةِ‭ ‬والضميرِ‭ ‬الإنساني‭ ‬أنْ‭ ‬يستعرضوا‭ ‬ماركاتِهم‭ ‬باهضةَ‭ ‬الثمن‭ ‬أمامَ‭ ‬المحرومينَ‭ ‬والمعوزينَ‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بصورةٍ‭ ‬تُثيرُ‭ ‬الاشمئزاز‭ ‬َوالضيق؟

هذا‭ ‬النوع‭ ‬السطحي‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬يُجيدُ‭ ‬سوى‭ ‬الفشخرة‭ ‬الفارغة،‭ ‬ولا‭ ‬يتمتعُ‭ ‬بالحِسِ‭ ‬والذوق،‭ ‬أو‭ ‬يعلمُ‭ ‬كيف‭ ‬يعيشُ‭ ‬الآخرون،‭ ‬ولا‭ ‬يفكرُ‭ ‬فيمَ‭ ‬قد‭ ‬يقولهُ‭ ‬الناس،‭ ‬بل‭ ‬ويتعمدونَ‭ ‬نقلَ‭ ‬رسائلَ‭ ‬مُهينة‭ ‬للطبقاتِ‭ ‬الفقيرةِ‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬مفادُها،‭ ‬نحن‭ ‬نملكُ‭ ‬وأنتمْ‭ ‬لا‭ ‬تملكون،‭ ‬ونحن‭ ‬الأعلى‭ ‬طبقة‭ ‬وأنتم‭ ‬الأدنى‭ ‬منزلة،‭ ‬حتى‭ ‬أنكم‭ ‬قد‭ ‬ترونَهم‭ ‬يوماً‭ ‬يضعونَ‭ ‬أرديتَهم‭ ‬الفخمةَ‭ ‬بـ‭ (‬تاقاتها‭) ‬وأسعارِها‭ ‬متدليةً‭ ‬للعامةِ‭ ‬كي‭ ‬يراها‭ ‬الجميع،‭ ‬وبدلَ‭ ‬أنْ‭ ‬ينقرضَ‭ ‬هؤلاءِ‭ ‬المتعجرفونَ‭ ‬المرضى‭ ‬بالنقص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬قيمةَ‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬يلبسون،‭ ‬يعودونَ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مؤسفٍ‭ ‬للتكاثرِ‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬