سوالف

السطح المليء بقطع زجاج التخلف وهجر الكتاب

| أسامة الماجد

كان‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬يقطع‭ ‬القفار‭ ‬ويتجشم‭ ‬المشاق‭ ‬ليستمع‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬إبداعات‭ ‬الشعراء‭ ‬وأحدث‭ ‬كشوف‭ ‬العلماء‭ ‬والنحاة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬رحلاتهم‭ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬المعرفة‭ ‬تستغرق‭ ‬أياما‭ ‬وشهورا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬كان‭ ‬يلاقي‭ ‬حتفه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يمرض،‭ ‬لكن‭ ‬الجوع‭ ‬إلى‭ ‬المعرفة‭ ‬بالمعنى‭ ‬الواسع‭ ‬العميق‭ ‬كان‭ ‬الدافع،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬أصبحت‭ ‬المعرفة‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع،‭ ‬حيث‭ ‬ضيقت‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬الشقة‭ ‬بين‭ ‬المسافات‭ ‬وأصبح‭ ‬باستطاعة‭ ‬الشاعر‭ ‬والباحث‭ ‬والقارئ‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬يفكر‭ ‬فيه‭ ‬الآخرون‭ ‬وأن‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬مكانه‭.‬

فهاهي‭ ‬الطباعة‭ ‬قد‭ ‬يسرت‭ ‬له‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نسخ‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الكاملة‭ ‬لكل‭ ‬شاعر‭ ‬وباحث،‭ ‬وهاهي‭ ‬الإذاعة‭ ‬قد‭ ‬نقلت‭ ‬إليه‭ ‬أصوات‭ ‬الشعراء‭ ‬وهم‭ ‬يقرأون‭ ‬أشعارهم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬داره،‭ ‬والفضائيات‭ ‬تزخر‭ ‬بالبرامج‭ ‬الثقافية،‭ ‬والكتب‭ ‬بمختلف‭ ‬ألوانها‭ ‬نجدها‭ ‬كاملة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬ولكن‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬نشاهده‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬أشبه‭ ‬بارتياد‭ ‬الآفاق‭ ‬المجهولة‭. ‬نفور‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬والاطلاع‭ ‬وسبر‭ ‬أغوار‭ ‬المبدعين،‭ ‬وكأن‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬فقد‭ ‬الإحساس‭ ‬بالمتعة‭ ‬والفائدة‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬يتكبد‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬مشاق‭ ‬السفر‭ ‬وعناء‭ ‬الطريق،‭ ‬هناك‭ ‬تيار‭ ‬يجرفنا‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬والاطلاع‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬بين‭ ‬اصبعنا‭ ‬وتحتاج‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬“كبسة‭ ‬زر”‭.‬

كانت‭ ‬الحياة‭ ‬العربية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬والتجدد‭ ‬في‭ ‬زاهر‭ ‬أيامها،‭ ‬وميدان‭ ‬حوار‭ ‬العقول‭ ‬والأفكار‭ ‬والنقاشات‭ ‬كان‭ ‬واسعا‭ ‬يحاصر‭ ‬السماء،‭ ‬وكان‭ ‬الإبداع‭ ‬حينها‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬شمعة‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬لخرير‭ ‬الكهرباء،‭ ‬ولو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬العربية‭ ‬اليوم‭ ‬لعضضنا‭ ‬أسناننا‭ ‬من‭ ‬انقلاب‭ ‬الموازين‭ ‬والسطح‭ ‬المليء‭ ‬بقطع‭ ‬زجاج‭ ‬التخلف‭ ‬وهجر‭ ‬الكتاب‭ ‬والمعرفة،‭ ‬رغم‭ ‬أبواب‭ ‬الإنترنت‭ ‬وفواكه‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ودفوف‭ ‬التطور،‭ ‬قلة‭ ‬تقرأ،‭ ‬وقلة‭ ‬تذهب‭ ‬للمسرح،‭ ‬وقلة‭ ‬تحضر‭ ‬أمسيات‭ ‬شعرية‭ ‬وفكرية،‭ ‬وقلة‭ ‬تستخدم‭ ‬الإنترنت‭ ‬لتنزيل‭ ‬كتاب‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬منهجه‭ ‬الفكري‭ ‬ورؤاه،‭ ‬إنه‭ ‬انهيار‭ ‬مفاجئ‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كنا‭ ‬نسير‭ ‬على‭ ‬قمم‭ ‬السحاب‭ ‬أصبحنا‭ ‬في‭ ‬القاع‭!.‬