أوغلو والعمى الاستراتيجي (2)

| سالم الكتبي

للتذكير،‭ ‬إن‭ ‬انشقاق‭ ‬أوغلو‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬انشقاقاً‭ ‬على‭ ‬قناعات‭ ‬وسياسات‭ ‬واتجاهات‭ ‬آيديولوجية‭ ‬للحزب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬تمرداً‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬السلطان‭ ‬في‭ ‬الانفراد‭ ‬بكعكة‭ ‬السلطة‭ ‬والحكم‭ ‬وإقصاء‭ ‬حلفائه‭ ‬القدامى،‭ ‬أصحاب‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬صعوده‭ ‬السياسي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬خلاف‭ ‬قشري‭ ‬وصراع‭ ‬شخصي‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬وسياسات،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬استقالة‭ ‬أوغلو‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بسبب‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬أردوغان‭ ‬تجاه‭ ‬سوريا‭ ‬ولا‭ ‬تدميره‭ ‬علاقات‭ ‬تركيا‭ ‬مع‭ ‬جوارها‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬بسبب‭ ‬“ما‭ ‬رآه‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬في‭ ‬أولويات‭ ‬وخطابات‭ ‬وسياسات‭ ‬إدارة‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية”،‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬“الحزب‭ ‬ابتعد‭ ‬عن‭ ‬قيمه‭ ‬وخطاباته‭ ‬وسياساته،‭ ‬وأولوياته‭ ‬قد‭ ‬تغيرت”‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬أوغلو‭ ‬يغضب‭ ‬من‭ ‬انتهاك‭ ‬الحريات‭ ‬كما‭ ‬ادعى‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تفسيره‭ ‬للانشقاق‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬أرسل‭ ‬رسالة‭ ‬لقادة‭ ‬العالم‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬يبرر‭ ‬فيها‭ ‬اعتقال‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬وضباطه‭ ‬مبرراً‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬“إرهابيين‭ ‬متوغلين‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬التركية‭ ‬حاولوا‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬يوليو،‭ ‬الإطاحة‭ ‬برئيس‭ ‬البلاد‭ ‬والحكومة‭ ‬وإغلاق‭ ‬البرلمان‭ ‬والنظام‭ ‬الدستوري”‭ ‬وأن‭ ‬“إحباط‭ ‬الانقلاب‭ ‬الفاشل‭ ‬تم‭ ‬بفضل‭ ‬القيادة‭ ‬القوية‭ ‬للرئيس‭ ‬أردوغان،‭ ‬والشعب‭ ‬التركي‭...‬”‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أوغلو‭ ‬غاضب‭ ‬من‭ ‬أردوغان‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬الأخير‭ ‬إقالته‭ ‬من‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ورئاسة‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬حيث‭ ‬أعرب‭ ‬علناً‭ ‬عن‭ ‬ندمه‭ ‬لعدم‭ ‬اختياره‭ ‬الكفاح‭ ‬ضد‭ ‬استبداد‭ ‬أردوغان،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬صرح‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬أدلى‭ ‬به‭ ‬للكاتب‭ ‬التركي‭ ‬مراد‭ ‬يتكين‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬القيادات‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬للعرض‭ ‬على‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬سبتمبر‭ ‬2015،‭ ‬مبدياً‭ ‬ندمه‭ ‬لقبول‭ ‬القائمة‭ ‬التي‭ ‬أعدت‭ ‬وقتذاك‭ ‬بتعليمات‭ ‬من‭ ‬أردوغان‭! ‬ومبرراً‭ ‬رضوخه‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬ظهور‭ ‬انقسامات‭ ‬داخل‭ ‬الحزب،‭ ‬وقد‭ ‬اعترف‭ ‬أوغلو‭ ‬بأن‭ ‬انقلاب‭ ‬حزب‭ ‬داخلي‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬مغادرته‭ ‬منصبي‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬والحزب‭ ‬ومعترفاً‭ ‬بالخطأ‭ ‬في‭ ‬ثقته‭ ‬بزملاء‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭! ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬الرفاق‭ ‬الذين‭ ‬يثق‭ ‬فيهم‭ ‬سيوقعون‭ ‬نص‭ ‬إقالته‭ ‬وتجريده‭ ‬من‭ ‬مناصبه‭ ‬استجابة‭ ‬لتعليمات‭ ‬السلطان‭.‬

المسألة‭ ‬كلها‭ ‬إذا‭ ‬صراع‭ ‬مصالح‭ ‬ومحاولة‭ ‬لإثبات‭ ‬الذات‭ ‬ورد‭ ‬الاعتبار‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أوغلو‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬صديقه‭ ‬وحليف‭ ‬دربه‭ ‬أردوغان‭ ‬والرفاق‭ ‬القدامى،‭ ‬وعلينا‭ ‬كعرب‭ ‬ـ‭ ‬ولاسيما‭ ‬الإعلاميين‭ ‬والمحللين‭ ‬ـ‭ ‬أن‭ ‬نتفهم‭ ‬قليلاً‭ ‬محركات‭ ‬السياسة‭ ‬التركية‭ ‬ومجرياتها‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬نقع‭ ‬مجدداً‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التهليل‭ ‬لأشخاص‭ ‬لا‭ ‬يختلفون‭ ‬مطلقاً‭ ‬عن‭ ‬المتصدرين‭ ‬للمشهد‭ ‬الذين‭ ‬يغتالون‭ ‬أحلام‭ ‬أشقائنا‭ ‬الليبيين‭ ‬في‭ ‬معيشة‭ ‬كريمة‭ ‬ووطن‭ ‬مستقل،‭ ‬وقد‭ ‬شاهدنا‭ ‬الآن‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬تخندق‭ ‬أوغلو‭ ‬سياسياً‭ ‬مع‭ ‬حليفه‭ ‬القديم‭ ‬أردوغان‭ ‬مهاجماً‭ ‬من‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وسيادة‭ ‬ليبيا‭! ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬أوغلو،‭ ‬الذي‭ ‬غادر‭ ‬نظرية‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل‭ ‬وعاد‭ ‬بنظرية‭ ‬العمى‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬البديل‭ ‬المنقذ‭ ‬الذي‭ ‬ينتشل‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬السلطان‭ ‬وأوهامه؟‭!. ‬“إيلاف”‭.‬