الكاظمي ومستقبل العراق

| رضي السماك

كان‭ ‬لافتاً‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬لتعزية‭ ‬عائلة‭ ‬المغدور‭ ‬الخبير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬هشام‭ ‬الهاشمي‭ ‬تأكيده‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ارتكبوا‭ ‬الجريمة‭ ‬ليسوا‭ ‬عراقيين،‭ ‬في‭ ‬إيماءة‭ ‬بأن‭ ‬القتلة‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬“عراقيين”‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬ينفذون‭ ‬أجندة‭ ‬أجنبية،‭ ‬وكان‭ ‬المغدور‭ ‬قد‭ ‬تلقى‭ ‬تهديدات‭ ‬بالقتل‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الميليشيات‭ ‬المرتهنة‭ ‬لإيران،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لافتاً‭ ‬عند‭ ‬تعزيته‭ ‬أرملة‭ ‬الشهيد‭ ‬قوله‭ ‬لها‭: ‬“أنتِ‭ ‬بنت‭ ‬عرب‭ ‬طيبة‭ ‬وعراقية‭ ‬أصيلة”‭. ‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نزيف‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة؛‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬له‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬مثيلاً‭ ‬منذ‭ ‬قيامها‭ ‬قبل‭ ‬قرن،‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬فساد‭ ‬ممثلي‭ ‬أحزاب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والبرلمان‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وتقاسم‭ ‬الإيرادات‭ ‬المالية‭ ‬للجمارك‭ ‬الحدودية‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬زيارة‭ ‬الكاظمي‭ ‬لمعبر‭ ‬“المندلي”‭ ‬حيث‭ ‬يجري‭ ‬حلب‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬الجمركية‭ ‬لصالح‭ ‬الميليشيا‭ ‬المسيطرة‭ ‬عليه‭ ‬وتهريب‭ ‬المخدرات‭ ‬والعملة‭ ‬والمنتوجات‭ ‬الغذائية‭ ‬الفاسدة،‭ ‬وكان‭ ‬يسمح‭ ‬لمليوني‭ ‬زائر‭ ‬إيراني‭ ‬في‭ ‬المواسم‭ ‬الدينية‭ - ‬خصوصا‭ ‬زيارة‭ ‬الأربعين‭ - ‬بالعبور‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنافذ‭ ‬بلا‭ ‬تأشيرات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعامل‭ ‬طهران‭ ‬الزوار‭ ‬العراقيين‭ ‬لإيران‭ ‬بالمثل‭! ‬الكاظمي‭ ‬أكد‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬المندلي‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬بسرقة‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬بعد‭ ‬الآن،‭ ‬وستخضع‭ ‬المنافذ‭ ‬جميعها‭ ‬لسيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬وقواتها‭. ‬

وفيما‭ ‬معظم‭ ‬محافظات‭ ‬العراق‭ ‬تغرق‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬الصيف‭ ‬كشف‭ ‬تقرير‭ ‬للجنة‭ ‬النفط‭ ‬والطاقة‭ ‬البرلمانية‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الكهرباء‭ ‬أكثر‭ ‬الوزارات‭ ‬استحواذاً‭ ‬على‭ ‬مخصصات‭ ‬مالية‭ ‬لمشاريعها،‭ ‬وبلغت‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬عاماً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬62‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬ذهبت‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬وسوء‭ ‬الأداء‭ ‬والتخطيط،‭ ‬وأكّد‭ ‬الكاظمي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬الصادم‭ ‬أن‭ ‬ملف‭ ‬قطاع‭ ‬الكهرباء‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬حكومته،‭ ‬وأنه‭ ‬سيتم‭ ‬سد‭ ‬منافذ‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬وأمر‭ ‬بتفعيل‭ ‬مشاريع‭ ‬الكهرباء‭ ‬المتوقفة‭ ‬وتزويد‭ ‬المولدات‭ ‬الأهلية‭ ‬بالوقود‭ ‬مجاناً‭.‬

الحال‭... ‬ثمة‭ ‬بصيص‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تمكن‭ ‬الكاظمي‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬المؤقت‭ -‬كمرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬المضي‭ ‬قُدماً‭ ‬في‭ ‬تطهير‭ ‬جهاز‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬المفسدين،‭ ‬لكنه‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬داخلي‭ ‬وإقليمي‭ ‬عربي‭.‬