أوغلو والعمى الاستراتيجي (1)

| سالم الكتبي

أتابع‭ ‬طيلة‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬بعض‭ ‬مقالات‭ ‬كتاب‭ ‬الرأي‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العربية‭ ‬والمحللين‭ ‬الذين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬تمثل‭ ‬خروجاً‭ ‬عن‭ ‬نهج‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬التركي،‭ ‬معتبرين‭ ‬أن‭ ‬“السلطات‭ ‬الديكتاتورية”‭ ‬التي‭ ‬منحها‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬لنفسه‭ ‬في‭ ‬التعديل‭ ‬الدستوري‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انحراف‭ ‬سياسات‭ ‬الحزب‭ ‬عن‭ ‬مسارها‭ ‬ونهج‭ ‬مؤسسي‭ ‬الحزب‭ ‬مثل‭ ‬أحمد‭ ‬داود‭ ‬أوغلو‭ ‬مهندس‭ ‬سياسة‭ ‬“صفر‭ ‬مشكلات”‭.‬

ولأنني‭ ‬أثق‭ ‬أن‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬أردوغان‭ ‬ورفاقه‭ ‬وحلفائه‭ ‬القدامى‭ ‬هو‭ ‬خلاف‭ ‬حول‭ ‬التكتيك‭ ‬وليس‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬مسائل‭ ‬ثانوية‭ ‬وليست‭ ‬أساسية،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أستغرب‭ ‬تهليل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬والخليجية‭ ‬لظهور‭ ‬أوغلو‭ ‬مجدداً‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬التركية‭ ‬كمنافس‭ ‬محتمل‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬حليفه‭ ‬وصديقه‭ ‬السابق‭ ‬أردوغان‭.‬

وبالأمس،‭ ‬قرأت‭ ‬تصريحاً‭ ‬لأحمد‭ ‬داود‭ ‬أوغلو،‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬تركيا‭ ‬السابق‭ ‬ورئيس‭ ‬حزب‭ ‬“المستقبل”‭ ‬المعارض،‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬“إن‭ ‬تهديدات‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي،‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬تعكس‭ ‬“عمى‭ ‬استراتيجياً”،‭ ‬وفي‭ ‬كلمة‭ ‬مصورة،‭ ‬نشرها‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هاجم‭ ‬داود‭ ‬أوغلو‭ ‬ما‭ ‬زعم‭ ‬أنه‭ ‬“تهديد‭ ‬السيسي‭ ‬للإدارة‭ ‬الليبية‭ ‬بالاحتلال‭ ‬العسكري”،‭ ‬كما‭ ‬هاجم‭ ‬بشدة‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬“تهديد‭ ‬ماكرون‭ ‬بزج‭ ‬الناتو‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تركيا”‭.‬

وقال‭ ‬أوغلو‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬“ليست‭ ‬مؤسفة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تبدي‭ ‬للعيان‭ ‬العمى‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬يعانيه‭ ‬اللاعبان”،‭ ‬واللافت‭ ‬أن‭ ‬أوغلو‭ ‬الذي‭ ‬يهلل‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬لمجرد‭ ‬كونه‭ ‬بات‭ ‬منافساً‭ ‬لأردوغان،‭ ‬وباعتباره‭ ‬صاحب‭ ‬النظرية‭ ‬البائدة‭ ‬التي‭ ‬انقلب‭ ‬عليها‭ ‬السلطان،‭ ‬قد‭ ‬أثنى‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭! ‬قائلا‭ ‬“الدعم‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬الشرعية‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬هو‭ ‬شرعي‭ ‬وسليم”،‭ ‬وقال‭ ‬أوغلو‭ ‬“لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬بتجاهل‭ ‬تركيا”،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أية‭ ‬معادلة‭ ‬للأمن‭ ‬والطاقة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬تستثني‭ ‬بلاده،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬وطالب‭ ‬أوغلو‭ ‬فرنسا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بالإجابة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬تواجد‭ ‬بلاده،‭ ‬العضو‭ ‬بالناتو،‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الناتو‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬أم‭ ‬تواجد‭ ‬روسيا‭ ‬والإمارات‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭.‬

لا‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬سياسي‭ ‬مستفيض‭ ‬كي‭ ‬ندرك‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬الحليفين‭ ‬السابقين‭ ‬ينطلقان‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬عمى‭ ‬استراتيجي‭ ‬واحد،‭ ‬ولديهما‭ ‬آيديولوجية‭ ‬مشتركة‭ ‬تؤمن‭ ‬باستعادة‭ ‬الإرث‭ ‬الاستعماري‭ ‬التركي،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬انقلب‭ ‬على‭ ‬نظرية‭ ‬“صفر‭ ‬مشاكل”‭ ‬هو‭ ‬صاحبها‭ ‬ذاته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬عليها‭ ‬حليفه‭ ‬السابق‭! ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬أوغلو‭ ‬يؤمن‭ ‬بفكرة‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل‭ ‬كسبيل‭ ‬لتحقيق‭ ‬أحلام‭ ‬الشعب‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭ ‬والبناء،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬ينتهج‭ ‬سياسة‭ ‬تدخلية‭ ‬توسعية‭ ‬تنتهك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬كي‭ ‬تضمن‭ ‬بلاده‭ ‬مصالحها،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬تدخل‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬أي‭ ‬انتهاك‭ ‬لسيادة‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬ينظر‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬عربية‭ ‬وشعب‭ ‬عربي‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬حلف‭ ‬الأطلسي‭!. ‬“إيلاف”‭.‬