العلاقات في عصر الحضارة التكنولوجية

| عبدعلي الغسرة

خلق‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الإنسان،‭ ‬وجعل‭ ‬والديه‭ ‬سببًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬لوجوده،‭ ‬ونظرًا‭ ‬لما‭ ‬يبذله‭ ‬الوالدان‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬وبذل‭ ‬وعطاء‭ ‬لأبنائهما‭ ‬فقد‭ ‬قرن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عبادته‭ ‬بالإحسان‭ ‬إليهما‭ ‬وبرهما،‭ ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ (‬وَقَضَىٰ‭ ‬رَبُّكَ‭ ‬أَلَّا‭ ‬تَعْبُدُوا‭ ‬إِلَّا‭ ‬إِيَّاهُ‭ ‬وَبِالْوَالِدَيْنِ‭ ‬إِحْسَانًا‭). ‬وبموجب‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬يستوجب‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬الإحسان‭ ‬إلى‭ ‬الوالدين‭ ‬قولًا‭ ‬وفعلًا،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أوجب‭ ‬الواجبات،‭ ‬وعقوقهما‭ ‬من‭ ‬أبشع‭ ‬الأفعال‭.‬

وكرمت‭ ‬جميع‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬الوالدين،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تكريم‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الذين‭ ‬منحهم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬منزلة‭ ‬عالية‭ ‬وقيمة‭ ‬سامية‭ ‬جليلة،‭ ‬ويبذل‭ ‬الوالدان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬جهدًا‭ ‬استثنائيًا‭ ‬بما‭ ‬لديهما‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رعاية‭ ‬وحماية‭ ‬أبنائهما‭ ‬لكي‭ ‬ينمو‭ ‬نموًا‭ ‬صحيًا‭ ‬وصحيحًا‭ ‬ليثمر‭ ‬ذلك‭ ‬بناءهم‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬أسرية‭ ‬ترفل‭ ‬بالسعادة‭ ‬والمودة،‭ ‬فالأسرة‭ ‬مصدر‭ ‬التربية‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائها‭ ‬فنون‭ ‬الحياة‭ ‬بمختلف‭ ‬أنحائها‭ ‬ليكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬تاليًا‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬وتطوير‭ ‬بلادهم‭.‬

إن‭ ‬تربية‭ ‬الوالدين‭ ‬اليوم‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬تربية‭ ‬الأمس،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬قراراتهما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مناقشتها‭ ‬وأوامرهما‭ ‬لا‭ ‬تحيد‭ ‬عن‭ ‬التنفيذ‭ ‬أبدًا،‭ ‬وكان‭ ‬الأبناء‭ ‬لا‭ ‬يجرؤون‭ ‬على‭ ‬التحدث‭ ‬مع‭ ‬آبائهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الشؤون‭ ‬الحياتية،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فهناك‭ ‬الاستقلالية‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬والحوار‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬وتتم‭ ‬المناقشة‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬أعضاءها‭.‬

وفي‭ ‬عصر‭ ‬التطور‭ ‬والحضارة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬التي‭ ‬سرقت‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والسلوكيات،‭ ‬فالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬وأخيه‭ ‬الإنسان‭ ‬وبين‭ ‬الوالدين‭ ‬وبعض‭ ‬الأبناء‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قوية‭ ‬ومتينة‭ ‬بسبب‭ ‬تغير‭ ‬الحياة‭ ‬وتعقيداتها‭ ‬والتباعد‭ ‬الجغرافي‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬وتحديات‭ ‬أخرى،‭ ‬فجميع‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬التشتت‭ ‬والتفكك‭ ‬الأسري‭ ‬الكبير‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فلا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يُحافظً‭ ‬على‭ ‬علاقته‭ ‬الأسرية‭ ‬الكبيرة‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬ظروف‭ ‬العصر،‭ ‬ولا‭ ‬يسعنا‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬مقالنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نترحم‭ ‬على‭ ‬والدينا،‭ ‬وندعو‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يحفظ‭ ‬كل‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬فهم‭ ‬السند‭ ‬والإشعاع‭ ‬الذي‭ ‬يُنير‭ ‬طريق‭ ‬أبنائهم‭.‬