لماذا فشلت الثورة الديمقراطية في إيران؟ (1)

| حسونة المصباحي

مثل‭ ‬ثورات‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يسمّى‭ ‬بـ‭ ‬“الرّبيع‭ ‬العربي”،‭ ‬جاءت‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانيّة‭ ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬بنظام‭ ‬الشّاه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬بأمل‭ ‬كبير‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يضمن‭ ‬الحريّات‭ ‬العامة،‭ ‬والخاصّة،‭ ‬وينهي‭ ‬عهودا‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاستبداد‭ ‬والظلم‭ ‬والطغيان‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمل‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬خبا،‭ ‬وانطفأ‭ ‬ليبسط‭ ‬الظّلام‭ ‬نفوذه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬وتصبح‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ملاحقة،‭ ‬ومحرومة‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬فإن‭ ‬هي‭ ‬حاولت‭ ‬ذلك،‭ ‬عرّضت‭ ‬نفسها‭ ‬لمخاطر‭ ‬جسيمة‭. ‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬أسباب‭ ‬هذه‭ ‬الانتكاسة؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الخميني‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني؟‭ ‬ولماذا‭ ‬فشلت‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحداثية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخميني‭ ‬ورجال‭ ‬الدين؟‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬وغيرها‭ ‬يحاول‭ ‬المفكر‭ ‬الإيراني‭ ‬مهناز‭ ‬شيرالي‭ ‬الإجابة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬“هزيمة‭ ‬الفكر‭ ‬الديمقراطيّ‭ ‬في‭ ‬إيران”‭. ‬وفي‭ ‬بداية‭ ‬كتابه،‭ ‬يشير‭ ‬هذا‭ ‬المفكر‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬المنفى‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانيّة‭ ‬أفرزت‭ ‬نظاما‭ ‬سياسيّا‭ ‬غريبا‭ ‬يسمى‭ ‬“الجمهورية‭ ‬الإسلامية”،‭ ‬وهو‭ ‬يطرح‭ ‬السّؤال‭ ‬التّالي‭: ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينسجم‭ ‬نظام‭ ‬جمهوري‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬الثورات‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬رجعية‭ ‬ومتخلفة؟‭. ‬ويرى‭ ‬مهناز‭ ‬شيرالي‭ ‬أن‭ ‬“الجمهورية‭ ‬الإسلامية”‭ ‬شيء‭ ‬سياسيّ‭ ‬بلا‭ ‬هويّة،‭ ‬وبلا‭ ‬مفهوم‭ ‬محددّ”‭. ‬لذلك‭ ‬حاول‭ ‬ويحاول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬أن‭ ‬يقدموا‭ ‬تعريفا‭ ‬دقيقا‭ ‬وواضحا‭ ‬لهذه‭ ‬“الجمهورية‭ ‬الإسلامية”‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬نتيجة‭ ‬مقنعة‭.‬

ويعود‭ ‬مهناز‭ ‬شيرالي‭ ‬إلى‭ ‬أحداث‭ ‬تاريخية‭ ‬عرفتها‭ ‬إيران‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ساعيا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬بالثورة‭ ‬إلى‭ ‬الانحراف‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1905،‭ ‬عرفت‭ ‬بلاد‭ ‬فارس‭ ‬انتفاضات‭ ‬شعبية‭ ‬هائلة‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬ملكي‭ ‬دستوري،‭ ‬ولمّا‭ ‬أدركت‭ ‬القوى‭ ‬الدينية‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬الدستور،‭ ‬تسلبها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬نفوذها‭ ‬ومن‭ ‬قوتها،‭ ‬اختارت‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭. ‬وفي‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1908،‭ ‬قام‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬بدعم‭ ‬نظام‭ ‬حمد‭ ‬علي‭ ‬شاه‭ ‬لقصف‭ ‬البرلمان‭. ‬وقد‭ ‬وافقت‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬المعادية‭ ‬للدستور،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬ضرب‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الصاعدة‭. ‬وبسبب‭ ‬ذلك،‭ ‬اندلعت‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬مدمرة‭ ‬مزقت‭ ‬أوصال‭ ‬البلاد،‭ ‬وأشعلت‭ ‬الضغائن،‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬إيران‭. ‬وفي‭ ‬1925،‭ ‬جلست‭ ‬عائلة‭ ‬بهلوي‭ ‬على‭ ‬العرش،‭ ‬مستعينة‭ ‬بالقوى‭ ‬الكبرى‭ ‬لتركيز‭ ‬حكمها،‭ ‬ومع‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬الجديد،‭ ‬تحالف‭ ‬الليبيراليّون‭ ‬وكبار‭ ‬تجار‭ ‬“البازار”‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬متأثرين‭ ‬بالأفكار‭ ‬الغربيّة‭. ‬“إيلاف”‭.‬