قصة الجامعة...

| عباس العمران

صافحَت‭ ‬أذني‭ ‬مقولة‭ ‬الدكتور‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ - ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ - ‬وهي‭ ‬“الإدارة‭ ‬اللامعة‭ ‬تماثل‭ ‬دورة‭ ‬دموية‭ ‬نشطة،‭ ‬فيها‭ ‬يتدفق‭ ‬الدم‭ ‬من‭ ‬القلب،‭ ‬ليسري‭ ‬بانتظام‭ ‬عبر‭ ‬الشرايين،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعوقه‭ ‬التجلطات‭ ‬والخثر”‭. ‬في‭ ‬محطات‭ ‬الحياة‭ ‬قصص‭ ‬وعبر‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬المرور‭ ‬عليها‭ ‬مرورا‭ ‬خاطفا،‭ ‬بل‭ ‬بالتروي‭ ‬والتأني؛‭ ‬لنتمكن‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬ماهيتها،‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬سأرويها‭ ‬على‭ ‬مسمعك‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬اليوم‭ ‬يمكنها‭ ‬شرح‭ ‬ما‭ ‬أقصده‭ ‬من‭ ‬كلامي‭.‬

كانت‭ ‬الساعة‭ ‬تُشير‭ ‬إلى‭ ‬الثامنة‭ ‬صباحا،‭ ‬زوجان‭ ‬متعبا‭ ‬القلب،‭ ‬ويسكن‭ ‬الحزن‭ ‬عينهما،‭ ‬لباسهما‭ ‬متواضع،‭ ‬لا‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬تُخطئهما‭ ‬عيون‭ ‬الناس،‭ ‬يسيران‭ ‬نحو‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬بُغيةَ‭ ‬لقاء‭ ‬رئيسها،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬استقبالهما‭ ‬مديرة‭ ‬المكتب‭ ‬التي‭ ‬نظرت‭ ‬إليهما‭ ‬نظرة‭ ‬ازدراء،‭ ‬ثم‭ ‬اعتذرت‭ ‬بأن‭ ‬الرئيس‭ ‬مشغول‭ ‬للغاية،‭ ‬وسيتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬انتظارا‭ ‬يمتد‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة،‭ ‬أصرا‭ ‬على‭ ‬الانتظار،‭ ‬ومرت‭ ‬الساعات‭ ‬ولم‭ ‬يستسلما‭ ‬لليأس‭. ‬حاولت‭ ‬مديرة‭ ‬المكتب‭ ‬إرغامهما‭ ‬على‭ ‬الانصراف‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭. ‬دفعها‭ ‬إصرارهما‭ ‬لتنفيذ‭ ‬طلبهما،‭ ‬فدخلت‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬وأقنعته‭ ‬بلقائهما‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬فوافق‭ ‬على‭ ‬مضض‭.‬

“كيف‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أساعدكما؟”،‭ ‬سأل‭ ‬الرئيس‭ ‬الزوجين‭. ‬بدأ‭ ‬الزوج‭ ‬بالحديث‭ ‬فقال‭: ‬“كان‭ ‬ابننا‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬العريقة‭ ‬لعام‭ ‬كامل،‭ ‬لكنهُ‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬حادث،‭ ‬ونريد‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬تبرعاً‭ ‬للجامعة‭ ‬تخليداً‭ ‬لذكراه”،‭ ‬رد‭ ‬عليهما‭ ‬رئيس‭ ‬الجامعة‭ ‬متجهمًا‭ ‬“هل‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬المبنى‭ ‬الواحد‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬سبعة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬قدرتكما‭ ‬بكثير،‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬بالطبع‭ ‬قبول‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭! ‬وإلا‭ ‬أصبحت‭ ‬جامعتنا‭ ‬كومة‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬والتذكارات”،‭ ‬عندها‭ ‬نظر‭ ‬الزوجان‭ ‬إلى‭ ‬بعضهما،‭ ‬وبعد‭ ‬صمتٍ‭ ‬طال‭ ‬قليلا‭ ‬استأذنا‭ ‬للانصراف‭.‬

بعدها‭ ‬قرر‭ ‬الزوجان‭ ‬أن‭ ‬يقوما‭ ‬بتأسيس‭ ‬جامعة‭ ‬تخليداً‭ ‬لذكرى‭ ‬ابنهما،‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬مبنى‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬لا‭ ‬يعرفُ‭ ‬رئيسها‭ ‬أصول‭ ‬التخاطب‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭! ‬فكانت‭ ‬جامعة‭ ‬“ستانفورد”‭ ‬العريقة،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الرصينة‭ ‬علميا،‭ ‬والتي‭ ‬أهدت‭ ‬للعالم‭ ‬علماء‭ ‬ومفكرين‭ ‬خدموا‭ ‬البشرية‭.‬

زبدة‭ ‬القول‭: ‬كارثة‭ ‬كبرى‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬مسؤولين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬الكمال،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أرنبة‭ ‬أنوفهم،‭ ‬كارثة‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬المتعالين‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬ليكونوا‭ ‬معول‭ ‬تدميرها‭ ‬وتدمير‭ ‬العاملين‭ ‬فيها‭.‬