لماذا شعوب الخليج أكثر اعتمادًا على العمالة المنزلية؟

| رائد البصري

بعد‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬والمقارنة‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬الثراء‭ ‬وإنما‭ ‬وجدنا‭ ‬أهم‭ ‬الأسباب،‭ ‬كمراقبين‭ ‬للوضع‭ ‬العام،‭ ‬يعود‭ ‬لسوء‭ ‬تنظيم‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شخصا‭ ‬واحدا‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نجده‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬ضغوط‭ ‬عملية‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬حل‭ ‬الخادمة‭.‬

وتفقد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬بيوتنا‭ ‬روح‭ ‬التعاون،‭ ‬فنجد‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد‭ ‬لكنهم‭ ‬أحزاب،‭ ‬يوجد‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬وكأنه‭ ‬ضيف‭ ‬

يمارس‭ ‬نظام‭ ‬الضيوف،‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يُقدم‭ ‬له‭ ‬الأكل‭ ‬ويأكل،‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬ملابس‭ ‬يلبسها‭ ‬ويجدها‭ ‬مرتبة‭.‬

فلو‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬ذكرا‭ ‬أو‭ ‬أنثى‭ ‬قام‭ ‬بجميع‭ ‬مسؤولياته‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬تنظيف‭ ‬غرفته‭ ‬وغسل‭ ‬أطباقه‭ ‬وغسل‭ ‬ملابسه‭ ‬وتحضير‭ ‬القهوة‭ ‬أو‭ ‬الأكل‭ ‬الذي‭ ‬يريده،‭ ‬لما‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصا‭ ‬عاجزون‭ ‬عن‭ ‬خدمة‭ ‬أنفسهم‭ ‬بالكسل‭ ‬وكثرة‭ ‬النوم‭ (‬شبه‭ ‬معاقين‭)‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬داخل‭ ‬المنزل‭ ‬الواحد‭. ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نطالبهم‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بأعمال‭ ‬المنزل‭ ‬كلها،‭ ‬لكن‭ ‬الأمور‭ ‬البسيطة‭ ‬والميسرة‭ ‬وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬عموم‭ ‬المساكن‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬ولو‭ ‬استنهضنا‭ ‬هممنا‭ ‬وتركنا‭ ‬الكسل‭ ‬قليلاً‭ ‬لما‭ ‬احتجنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الخدم‭. ‬

حدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬تجنيها‭ ‬الأسر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬التكلفة‭ ‬السنوية‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬عن‭ ‬1500‭ ‬دينار‭ ‬للأسرة‭ ‬الواحدة‭ ‬ـ‭ ‬إذ‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬تصاريح‭ ‬العمالة‭ ‬المنزلية‭ ‬لنهاية‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬90‭ ‬ألفا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬المنازل،‭ ‬وتنفق‭ ‬الأسر‭ ‬البحرينية‭ ‬حوالي‭ ‬64‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬تكاليف‭ ‬ثابتة‭ ‬سنوياً‭ ‬كأجور،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الأثر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬إعطائهم‭ ‬الأطفال‭ ‬لتربيتهم‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬إذ‭ ‬يكتسبون‭ ‬عادات‭ ‬غريبة،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬العمالة،‭ ‬مثل‭: ‬السرقات‭ ‬والهروب‭ ‬والانتهاكات‭ ‬لمضامين‭ ‬الخصوصية‭ ‬التي‭ ‬تنتهك‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬نفسها‭. ‬والسؤال‭ ‬المطروح‭ ‬ما‭ ‬النسبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬وما‭ ‬احتياجاتنا‭ ‬الحقيقية‭ ‬للخدم،‭ ‬أم‭ ‬أصبحت‭ ‬“طربة”‭ ‬أو‭ ‬موضة‭ ‬تتبناها‭ ‬الأسر‭ ‬بقريناتها،‭ ‬وبعدها‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬الندم‭ ‬عندما‭ ‬يقع‭ ‬الفأس‭ ‬في‭ ‬الرأس‭.‬

‭ ‬نعم،‭ ‬هناك‭ ‬أسر‭ ‬مضطرة‭ ‬لاستقدام‭ ‬الخدم،‭ ‬لكن‭ ‬كم‭ ‬النسبة‭ ‬المئوية‭ ‬لتلك‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬10‭ % ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬أعداد‭ ‬العمالة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬للخدم‭ ‬والباقي‭ ‬للاستهلاك‭ ‬المحلي‭ ‬والترف؟

في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬يمارس‭ ‬الجميع‭ ‬حياتهم‭ ‬الطبيعية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الخدم،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬يعرف‭ ‬دوره‭ ‬ومسؤوليته‭ ‬داخل‭ ‬منزله‭ ‬بكل‭ ‬تعاون‭ ‬واحترام،‭ ‬لكن‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬الخليج‭ ‬الذين‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرنا،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬الكسل‭ ‬والاعتمادية‭ ‬العمياء‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭.‬