شيَّبنا... هرِمْنا

| هدى حرم

باللهِ‭ ‬عليكم‭ ‬توقفوا‭ ‬عن‭ ‬ترديد‭ ‬هذه‭ ‬المفردةِ‭ ‬المقيتة‭ ‬التي‭ ‬تتلقفها‭ ‬ألسنتُكم‭ ‬في‭ ‬كلِ‭ ‬محفل،‭ ‬فهي‭ ‬كلمة‭ ‬تؤجِّجُ‭ ‬غضبي‭ ‬وتضطرمُ‭ ‬في‭ ‬فؤادي‭. ‬

“شيَّبنا”،‭ ‬هذه‭ ‬اللفظةُ‭ ‬البغيضة‭ ‬المفعمةُ‭ ‬بالتشاؤم،‭ ‬لا‭ ‬تبعثُ‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬الخنوعِ‭ ‬والاستسلام،‭ ‬وتُجبرنا‭ ‬لا‭ ‬إرادياً‭ ‬على‭ ‬إيقافِ‭ ‬عجلةِ‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬بدأتْ‭ ‬للتو،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬المجتمعاتِ‭ ‬العربية‭ ‬تُعدُ‭ ‬مجتمعاتٍ‭ ‬فتية‭ ‬في‭ ‬قبالة‭ ‬المجتمعاتِ‭ ‬الغربية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬نفسَها‭ ‬كذلك،‭ ‬والمعضلةُ‭ ‬أنَّ‭ ‬من‭ ‬يتفوهُ‭ ‬بهذه‭ ‬اللفظة‭ ‬هم‭ ‬شبابٌ‭ ‬في‭ ‬العقدِ‭ ‬الثاني‭ ‬أو‭ ‬الثالث‭ ‬أو‭ ‬الرابع،‭ ‬هؤلاء‭ ‬يعيشون‭ ‬زهرةَ‭ ‬العمرِ‭ ‬ويتمتعونَ‭ ‬بعنفوانِ‭ ‬الشباب،‭ ‬كيف‭ ‬حباً‭ ‬بالله‭ ‬يدَّعونَ‭ ‬الهرم؟‭!‬

هؤلاء‭ ‬يرونَ‭ ‬أنفسَهم‭ ‬شيوخاً‭ ‬وعجائزَ‭ ‬ومازالت‭ ‬الصحةُ‭ ‬في‭ ‬أبدانِهم‭ ‬والقوةُ‭ ‬في‭ ‬قلوبِهم؛‭ ‬فهل‭ ‬نلومُهم‭ ‬على‭ ‬ذلكَ،‭ ‬والفكرةُ‭ ‬السائدةُ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬تنصُ‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬الرجلَ‭ ‬والمرأةَ‭ ‬كباراً‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬ناهزوا‭ ‬الأربعين؟‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينقصُهم‭ ‬سوى‭ ‬أنْ‭ ‬يُقالَ‭ ‬لهم‭ ‬بوضوح‭ ‬إنَّ‭ ‬تاريخَ‭ ‬صلاحيتِكم‭ ‬قد‭ ‬قاربَ‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭.. ‬استعدوا‭ ‬للرحيل‭.‬

لكأنَّ‭ ‬المجتمعَ‭ ‬يحشرُهم‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬أو‭ ‬يزجُ‭ ‬بهم‭ ‬خلفَ‭ ‬قُضبانِ‭ ‬السنين،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬حقَّ‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الحياةِ‭ ‬كالآخرين،‭ ‬لا‭ ‬حقَّ‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬التأنقِ‭ ‬واختيار‭ ‬نمطٍ‭ ‬عصري‭ ‬لملابسهم؛‭ ‬فالتأنقُ‭ ‬والظهورُ‭ ‬على‭ ‬الموضة‭ ‬لا‭ ‬يُناسبهم،‭ ‬ولا‭ ‬حقَّ‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الانفتاحِ‭ ‬على‭ ‬العالم؛‭ ‬فلمْ‭ ‬يعودوا‭ ‬شباباً،‭ ‬ولا‭ ‬حق‭ ‬لهم‭ ‬بامتلاكِ‭ ‬فكرٍ‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬ثقافةٍ‭ ‬ما؛‭ ‬فما‭ ‬عادوا‭ ‬من‭ ‬الشباب،‭ ‬حتى‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬الوقوعَ‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬أو‭ ‬الزواج؛‭ ‬فقد‭ ‬فاتَهم‭ ‬قطارُ‭ ‬الشباب‭.‬

الإحصاءاتُ‭ ‬تُشيرُ‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬متوسطَ‭ ‬عمرِ‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية‭ ‬يتراوحُ‭ ‬بين‭ ‬الثمانينَ‭ ‬والتسعين،‭ ‬وعليه‭ ‬فإنَّ‭ ‬عمرَ‭ ‬الأربعينَ‭ ‬والخمسين‭ ‬هو‭ ‬منتصفُ‭ ‬العمرِ‭ ‬يا‭ ‬سادة‭ ‬لا‭ ‬آخره‭. ‬هو‭ ‬سنُ‭ ‬النضوجِ‭ ‬الفكري‭ ‬والاستقرار‭ ‬العاطفي‭ ‬والسلام‭ ‬الداخلي،‭ ‬هو‭ ‬عمرٌ‭ ‬يضجُّ‭ ‬بالصحةِ‭ ‬والحبِ‭ ‬والجمال،‭ ‬هو‭ ‬العمر‭ ‬الذي‭ ‬نحققُ‭ ‬فيه‭ ‬أحلامَنا‭ ‬ونجدُ‭ ‬فيه‭ ‬ذواتَنا،‭ ‬وياليتنا‭ ‬نتوقفُ‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬السنِ‭ ‬الصاخبِ‭ ‬بالإنتاجِ‭ ‬والعملِ‭ ‬والأمل‭ ‬لا‭ ‬نبْرحه،‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نزالُ‭ ‬شباباً‭ ‬أحبتي؛‭ ‬فلنتصرف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬لنكنْ‭ ‬أقوياءَ‭ ‬منتجين،‭ ‬ولنعمرْ‭ ‬أوطانَنا‭ ‬ونسعى‭ ‬بشبابنا‭ ‬في‭ ‬أوجهِ‭ ‬الخير،‭ ‬ولننشرُ‭ ‬ثقافةً‭ ‬لمْ‭ ‬يعتدها‭ ‬مجتمعُنا‭ ‬الفتّيُ‭ ‬عمراً،‭ ‬الهرِمُ‭ ‬فكراً،‭ ‬مفادُها‭ ‬أنَّ‭ ‬العمرَ‭ ‬رقمٌ‭ ‬يتغير‭ ‬وشبابٌ‭ ‬يتجدد،‭ ‬ربما‭ ‬شبَّ‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬“إنَّ‭ ‬اللهَ‭ ‬يُحبُ‭ ‬المؤمنَ‭ ‬القوي‭ ‬ولا‭ ‬يُحبُ‭ ‬المؤمنَ‭ ‬الضعيف”‭.‬