من جديد

هل نعيش بلا تكلف يوما ما؟

| د. سمر الأبيوكي

هل‭ ‬من‭ ‬إشكال‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أنفسنا‭ ‬دون‭ ‬رتوش‭ ‬إضافية؟‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬الأكثر‭ ‬تداولا‭ ‬حاليا‭ ‬هي‭ (‬نعم‭)! ‬فالجميع‭ ‬يود‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬أفضل‭ ‬وأجمل‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬مغايرة‭ ‬لجوهره،‭ ‬نحن‭ ‬نتجمل‭ ‬بالكلمات‭ ‬والهندام‭ ‬والعطور‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬سينيمائي‭ ‬يحتم‭ ‬علينا‭ ‬ذلك،‭ ‬باتت‭ ‬المجاملات‭ ‬العنصر‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬أيامنا،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬راحتنا‭ ‬النفسية‭ ‬والصحية‭ ‬والعقلية‭.‬

بات‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬كاملة‭ ‬يقبلها‭ ‬المجتمع‭ ‬ويعزز‭ ‬منها‭ ‬الشاغل‭ ‬الأساسي‭ ‬للغالبية‭ ‬العظمى،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬مرهقين‭ ‬لتقديم‭ ‬الأفضل‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬صور‭ ‬الأغلبية‭ ‬المعالجة‭ ‬بالفوتوشوب‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الديكور‭ ‬و”الجف‭ ‬أواي”‭ ‬بحجة‭ ‬السنع‭ ‬والرقي،‭ ‬حتى‭ ‬مجالس‭ ‬العزاء‭ ‬أصابها‭ ‬ما‭ ‬أصاب‭ ‬بقية‭ ‬حياتنا‭ ‬من‭ ‬رتوش‭ ‬كثيفة‭ ‬ترهق‭ ‬النفس‭ ‬قبل‭ ‬الميزانية‭ ‬بغية‭ ‬إرضاء‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الاهتمام‭ ‬برضا‭ ‬النفس‭ ‬أولا‭.‬

قبل‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬يسألني‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬أتواجد‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬التجمعات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الفعاليات‭ ‬اليومية،‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أقيس‭ ‬مدى‭ ‬قدرتي‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬والعطاء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أنهك‭ ‬نفسي‭ ‬كثيرا،‭ ‬فجدول‭ ‬الأعمال‭ ‬مزدحم‭ ‬طيلة‭ ‬الأسبوع‭ ‬وبالكاد‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أجعل‭ ‬لي‭ ‬فسحة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬مع‭ ‬فنجان‭ ‬قهوتي‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬سريري‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الرسميات‭ ‬في‭ ‬الهندام‭ ‬أو‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تصرف‭ ‬آخر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬قانون‭ ‬الصحبة‭ ‬الحلوة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أتنازل‭ ‬عنه‭ ‬أبدا،‭ ‬وقد‭ ‬حدث‭ ‬مرارا‭ ‬أن‭ ‬تطفلت‭ ‬على‭ ‬صحتي‭ ‬النفسية‭ ‬مقابل‭ ‬إرضاء‭ ‬الآخر‭ ‬وعدت‭ ‬أجر‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‭ ‬وتعب‭ ‬النفس‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الوناسة‭ ‬وسعة‭ ‬الصدر‭.‬

 

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬أعطتني‭ ‬كما‭ ‬أعطت‭ ‬غيري‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لرصد‭ ‬تصرفاتنا‭ ‬وتقييمها،‭ ‬وأنا‭ ‬أشدد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬راحة‭ ‬البال‭ ‬والهدوء‭ ‬النفسي‭ ‬والعقلي‭ ‬ومعاملة‭ ‬الناس‭ ‬دون‭ ‬تكلف،‭ ‬فالحياة‭ ‬أبسط‭ ‬مما‭ ‬ابتدعناها‭ ‬نحن‭ ‬وكلفنا‭ ‬فيها‭ ‬أنفسنا‭ ‬وغيرنا‭.‬