بين قتيلين

| رضي السماك

في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬شبه‭ ‬متزامن‭ ‬من‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬وقع‭ ‬حادثا‭ ‬قتلٍ‭ ‬مروعان‭ ‬هزا‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬البلدين،‭ ‬الأول‭ ‬راح‭ ‬ضحيته‭ ‬مواطن‭ ‬فت‭ ‬في‭ ‬عضده‭ ‬العوز‭ ‬والجوع،‭ ‬فخارت‭ ‬قواه‭ ‬وانتحر‭ ‬احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الفاسدة‭ ‬المستفيدة‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬غنائم‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفية،‭ ‬أما‭ ‬الثاني‭ ‬فكان‭ ‬ضحيته‭ ‬اغتيالا‭ ‬بالرصاص‭ ‬الكاتم‭ ‬للصوت‭ ‬الخبير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمني‭ ‬هشام‭ ‬الهاشمي‭ ‬المستهدف‭ ‬من‭ ‬ميليشيات‭ ‬الأحزاب‭ ‬المستفيدة‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفية‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬طهران؛‭ ‬حيث‭ ‬دأب‭ ‬القتيل‭ ‬على‭ ‬فضح‭ ‬فسادها‭ ‬وجرائم‭ ‬اغتيالاتها‭ ‬بحق‭ ‬أصوات‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭ ‬وشباب‭ ‬الانتفاضة‭ ‬اقتناصاً‭.‬

الحادث‭ ‬الأول‭ ‬أثّر‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬مشاعر‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬المستقل‭ ‬الشيخ‭ ‬ياسر‭ ‬عودة‭ ‬فأطل‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬غاضباً‭ ‬مندداً‭ ‬بكل‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وساخراً‭ ‬من‭ ‬الرقص‭ ‬على‭ ‬دمائه‭ ‬بجدل‭ ‬عن‭ ‬عاقبة‭ ‬المنتحر‭ ‬“الجنة‭ ‬أم‭ ‬النار”؛‭ ‬لكن‭ ‬الضحية‭ ‬الذي‭ ‬اهتز‭ ‬له‭ ‬البلد‭ ‬هزاً‭ ‬لم‭ ‬يستدعِ‭ ‬أصلاً‭ ‬من‭ ‬“سيد‭ ‬المقاومة‭ ‬“‭ - ‬كما‭ ‬يحب‭ ‬محازبوه‭ ‬وأنصاره‭ ‬تسميته‭ - ‬أن‭ ‬يتناوله‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬الأخيرة‭ ‬بكلمة‭ ‬واحدة؛‭ ‬ملقياً‭ ‬مسؤولية‭ ‬الجوع‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬بكاملها‭ ‬على‭ ‬أميركا؛‭ ‬رافعاً‭ ‬راية‭ ‬الجهاد‭ ‬الزراعي‭ ‬لحل‭ ‬مشكلة‭ ‬الضنك؛‭ ‬لا‭ ‬راية‭ ‬الجهاد‭ ‬ضد‭ ‬الفساد‭. ‬تماماً‭ ‬مثلما‭ ‬كانت‭ ‬الألوف‭ ‬تنتظر‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬ماذا‭ ‬سيقول‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬منتصف‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬الأحداث‭ ‬الجسام‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬حينئذ‭ ‬شوارع‭ ‬بيروت‭ ‬وطرابلس‭ ‬بسبب‭ ‬انهيار‭ ‬الليرة‭ ‬ففاجأهم‭ ‬بأن‭ ‬استهل‭ ‬خطابه‭ ‬الطويل‭ ‬بتأبين‭ ‬مسهب‭ ‬في‭ ‬مناقب‭ ‬الراحلين،‭ ‬زعيم‭ ‬الجهاد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬رمضان‭ ‬شلّح،‭ ‬والقيادي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬“سماحته”‭ ‬الحاج‭ ‬حسن‭ ‬فرحات،‭ ‬دون‭ ‬التطرق‭ ‬للأسباب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمعيشية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لتلك‭ ‬الأحداث؛‭ ‬مستغرقاً‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬“المخربين”‭.‬

والحال‭ ‬باتت‭ ‬أحزاب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬تلعب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الضائع‭ ‬بعدما‭ ‬أدركت‭ ‬الناس‭ ‬جيداً‭ ‬ليس‭ ‬إفلاسها‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬همومها‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬تطلعاتها‭ ‬فحسب؛‭ ‬بل‭ ‬أدركت‭ ‬أيضاً‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬مفاقمة‭ ‬هذه‭ ‬الهموم؛‭ ‬إن‭ ‬بفساد‭ ‬ممثليها‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬أو‭ ‬بفساد‭ ‬شعاراتها‭ ‬الخاوية‭ ‬وخذلانها‭ ‬لانتفاضة‭ ‬شعوبها‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭.‬