زبدة القول

الأرقام المرعبة ليست كذلك

| د. بثينة خليفة قاسم

على‭ ‬مدى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬لم‭ ‬تنقل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬للناس‭ ‬سوى‭ ‬أخبار‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الرعب‭ ‬واليأس،‭ ‬وهذه‭ ‬الأخبار‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬عملية‭ ‬الحجز‭ ‬المنزلي‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬تحتها‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬للبشر‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تستخدم‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬تطورات‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬الأرقام‭ ‬لا‭ ‬تكذب‭ ‬ولا‭ ‬تتحمل،‭ ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬قراءة‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬وتحديد‭ ‬ظروف‭ ‬أخرى‭ ‬تأتي‭ ‬ضمنها‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام،‭ ‬فالذي‭ ‬يقول‭ ‬مثلا‭ ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬الوفيات‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مثلا‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف‭ ‬الوفيات‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬لا‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حوالي‭ ‬‮٣٢٠‬‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬وأن‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬بريطانيا‭ ‬حوالي‭ ‬‮٦٦‬‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تزول‭ ‬الغرابة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقارنة،‭ ‬وعندما‭ ‬تقول‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬إصابات‭ ‬كورونا‭ ‬عشرة‭ ‬أضعاف‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬العينة‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬عليها‭ ‬الدراسة‭ ‬هي‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬الأصحاء‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬عليهم‭ ‬أية‭ ‬أعراض‭ ‬مرضية‭ ‬وتبين‭ ‬أنهم‭ ‬أصيبوا‭ ‬وتعافوا‭ ‬وتكونت‭ ‬لديهم‭ ‬أجسام‭ ‬مضادة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشعروا‭ ‬بشيء،‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يتبين‭ ‬لمن‭ ‬يتابع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جانبا‭ ‬إيجابيا‭ ‬مهما‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬الإيجابي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬آلاف‭ ‬البشر‭ ‬يصابون‭ ‬بالفيروس‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمرضوا،‭ ‬ويتبين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬النسبة‭ ‬المئوية‭ ‬للوفيات‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬يذاع‭ ‬بعشرة‭ ‬مرات‭ ‬مثلا،‭ ‬فتزداد‭ ‬نسبة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالاطمئنان‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬وتتراجع‭ ‬نسبة‭ ‬الرعب‭ ‬والفزع‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الملايين‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭.‬

زبدة‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬مسؤولية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬العصيب‭ ‬الذي‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬البشرية،‭ ‬وأن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬السبق‭ ‬والفرقعة‭ ‬لصالح‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والموضوعية‭.‬