زبدة القول

في زمن كورونا... المآسي درجات

| د. بثينة خليفة قاسم

لقد‭ ‬خلق‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬ملايين‭ ‬المآسي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬المنكوب،‭ ‬فكل‭ ‬شخص‭ ‬له‭ ‬مأساته‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يفصح‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يجعلها‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلنا‭ ‬نقرأ‭ ‬عن‭ ‬تزايد‭ ‬حالات‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والجنون‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

مليون‭ ‬حكاية‭ ‬وحكاية‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نسمعها‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬آلاف‭ ‬الأحلام‭ ‬تأجلت‭ ‬وآلاف‭ ‬الأحلام‭ ‬ماتت،‭ ‬مأساتك‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬شيئا‭ ‬تافها‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬غيرك‭ ‬ومأساة‭ ‬غيرك‭ ‬ليست‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬نظرك،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الوجع‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يشعر‭ ‬به،‭ ‬فالسيدة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستعد‭ ‬لركوب‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬الأحلام‭ ‬والاستجمام‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‭ ‬تألمت‭ ‬وندبت‭ ‬حظها‭ ‬الذي‭ ‬دمره‭ ‬كورونا،‭ ‬والسيدة‭ ‬الريفية‭ ‬التي‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬بيع‭ ‬بيض‭ ‬دجاجها‭ ‬بسبب‭ ‬إغلاق‭ ‬كورونا‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬تتألم‭ ‬وتعاني‭.‬

خلال‭ ‬جولتي‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬أبحث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬جديد‭ ‬حول‭ ‬دراما‭ ‬كورونا،‭ ‬مررت‭ ‬سريعا‭ ‬على‭ ‬قصص‭ ‬البطالة‭ ‬والدمار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وفقدان‭ ‬الملايين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬وظائفهم‭ ‬وموت‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬تأمينا‭ ‬صحيا،‭ ‬ولم‭ ‬أتوقف‭ ‬كثيرا‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬القصص،‭ ‬ليس‭ ‬لعدم‭ ‬أهميتها،‭ ‬لكن‭ ‬كونها‭ ‬أصبحت‭ ‬مألوفة‭ ‬وكثيرة‭ ‬وأصبحت‭ ‬أتعايش‭ ‬معها‭ ‬كما‭ ‬أتعايش‭ ‬مع‭ ‬الأرقام‭ ‬المرعبة‭ ‬لعدد‭ ‬وفيات‭ ‬كورونا‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬لكنني‭ ‬توقفت‭ ‬فجأة‭ ‬عند‭ ‬مأساة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬وأعترف‭ ‬أنها‭ ‬أضحكتني‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬عنوانها،‭ ‬لكنني‭ ‬عندما‭ ‬مضيت‭ ‬في‭ ‬قراءتها‭ ‬أدركت‭ ‬أنها‭ ‬مأساة‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬صنعها‭ ‬كورونا‭.‬

إنها‭ ‬مأساة‭ ‬النساء‭ ‬البريطانيات‭ ‬اللاتي‭ ‬ضاع‭ ‬حلمهن‭ ‬في‭ ‬الحمل‭ ‬وإنجاب‭ ‬طفل‭ ‬يحقق‭ ‬لهن‭ ‬حلم‭ ‬الأمومة‭ ‬والأسرة‭. ‬وتتلخص‭ ‬مأساة‭ ‬النسوة‭ ‬في‭ ‬كونهن‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬إجراء‭ ‬عملية‭ ‬تلقيح‭ ‬صناعي‭ ‬في‭ ‬العيادات‭ ‬المخصصة‭ ‬لذلك،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬العيادات‭ ‬أغلقت‭ ‬ضمن‭ ‬إجراءات‭ ‬مكافحة‭ ‬الفيروس‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭. ‬ليس‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ضياع‭ ‬حلمهن‭ ‬مجرد‭ ‬الإغلاق،‭ ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يقمن‭ ‬بإجراء‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬الحياة‭ ‬لطبيعتها،‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬عندما‭ ‬تعود‭ ‬الحياة‭ ‬لطبيعتها‭ ‬سيكن‭ ‬قد‭ ‬وصلن‭ ‬سن‭ ‬الأربعين‭ ‬أو‭ ‬تخطين‭ ‬هذا‭ ‬السن‭ ‬وبالتالي‭ ‬تقل‭ ‬حيوية‭ ‬البويضات‭ ‬أو‭ ‬يقل‭ ‬إنتاجها‭ ‬وبالتالي‭ ‬تكون‭ ‬نهاية‭ ‬حلم‭ ‬الأمومة‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬منهن‭.‬

قصة‭ ‬سيراها‭ ‬الكثيرون‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬ضمن‭ ‬مآسي‭ ‬حرب‭ ‬كورونا،‭ ‬لكنها‭ ‬مأساة‭ ‬إنسانية‭ ‬وحلم‭ ‬يموت‭ ‬وألم‭ ‬لا‭ ‬علاج‭ ‬له‭.‬