ما وراء الحقيقة

سارقو التاريخ... سرقة البلقان

| د. طارق آل شيخان الشمري

لم‭ ‬يكتف‭ ‬العثمانيون‭ ‬بسرقة‭ ‬العرق‭ ‬والخلافة‭ ‬وأرض‭ ‬الأناضول‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أرضهم،‭ ‬فقد‭ ‬سرقوا‭ ‬البلقان‭ ‬ونهبوا‭ ‬خيراتها‭ ‬وأهلها‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬شيء‭ ‬لهم،‭ ‬كونهم‭ ‬يصفون‭ ‬أنفسهم‭ ‬دائما‭ ‬بأنهم‭ ‬ناشروا‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فالعرب‭ ‬المسلمون‭ ‬قدموا‭ ‬الإسلام‭ ‬للبلدان‭ ‬التي‭ ‬فتحوها،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬أجداد‭ ‬العثمانيين‭ ‬الوثنيين،‭ ‬وعاملوا‭ ‬أهلها‭ ‬أحسن‭ ‬معاملة،‭ ‬وحافظوا‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬وهوية‭ ‬أهلها‭ ‬وتاريخهم،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬أهل‭ ‬فارس‭ ‬والهند‭ ‬والسند‭ ‬وجنوب‭ ‬القوقاز‭ ‬وجنوب‭ ‬آسيا،‭ ‬يدخلون‭ ‬الإسلام‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬بينما‭ ‬ونتيجة‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬تلقاه‭ ‬أهل‭ ‬البلقان‭ ‬والمذابح‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬العثمانيون‭ ‬ضد‭ ‬أهلها‭ ‬ونهب‭ ‬خيراتها‭ ‬وثرواتها،‭ ‬وإجبار‭ ‬أهلها‭ ‬على‭ ‬العبودية‭ ‬للعرق‭ ‬العثماني،‭ ‬جعل‭ ‬البلقان‭ ‬تكره‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إسلامي‭ ‬بسبب‭ ‬العثمانيين‭.‬

وبينما‭ ‬كانت‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬تشهد‭ ‬الحضارة‭ ‬والتطور،‭ ‬عاش‭ ‬أهل‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬والبلقان‭ ‬التخلف‭ ‬والظلم‭ ‬بسبب‭ ‬العثمانيين‭ ‬واحتقارهم‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬يغزونها،‭ ‬فالفلاسفة‭ ‬وعهد‭ ‬التنوير‭ ‬والثورات‭ ‬والثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬انطلقت‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية،‭ ‬بينما‭ ‬عاشت‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬والبلقان‭ ‬التخلف‭ ‬بسبب‭ ‬العثمانيين،‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬العرب،‭ ‬فبينما‭ ‬كانت‭ ‬الامبراطورية‭ ‬العربية‭ ‬المسلمة‭ ‬الأموية‭ ‬والعباسية‭ ‬منارة‭ ‬للإنسانية‭ ‬والعالم‭ ‬بمختلف‭ ‬العلوم،‭ ‬وقدمت‭ ‬للحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬وصلاح‭ ‬وتطور‭ ‬وازدهار‭ ‬شهد‭ ‬به‭ ‬القاصي‭ ‬والداني،‭ ‬اختفى‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬عندما‭ ‬احتل‭ ‬العثمانيون‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬وهاهي‭ ‬البلقان‭ ‬تذوق‭ ‬هذا‭ ‬التخلف‭ ‬خلال‭ ‬الاحتلال‭ ‬العثماني‭ ‬لها‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬عاناه‭ ‬الأرمن‭ ‬والبلغار‭ ‬واليونانيون‭ ‬من‭ ‬مجازر‭ ‬العثمانيين‭ ‬وإذلالهم‭ ‬أهل‭ ‬البلقان،‭ ‬فكل‭ ‬المؤرخين‭ ‬اتهموا‭ ‬العثمانيين‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬ومذابح‭ ‬واستعباد‭ ‬وإذلال‭ ‬وسرقات‭ ‬للأرض‭ ‬والزرع‭ ‬والإنسان‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬يحتلونها‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬البلقان‭.‬

لقد‭ ‬سرق‭ ‬العثمانيون‭ ‬خيرات‭ ‬البلقان‭ ‬وخيرات‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬وخيرات‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬يحتلونها،‭ ‬وبنوا‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬ومدن‭ ‬ومصانع،‭ ‬فهذا‭ ‬الشعب‭ ‬جبل‭ ‬على‭ ‬السرقة‭ ‬ونهب‭ ‬الخيرات،‭ ‬وما‭ ‬الشمال‭ ‬السوري‭ ‬وليبيا‭ ‬والصومال‭ ‬وسرقة‭ ‬خيراتها‭ ‬إلا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬عقيدة‭ ‬السرقة‭ ‬عندهم‭ ‬حتى‭ ‬بالعصر‭ ‬الحالي‭. ‬وللسرقات‭ ‬بقية‭.‬