المخدرات الرقمية تحرج قانون مكافحة المخدرات

| د. محمد رضا منصور بوحسين

أسهمت‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬الحضارة‭ ‬البشرية‭ ‬ورفاهية‭ ‬الانسان،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعية‭ ‬سلبية‭ ‬لم‭ ‬تعهدها‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ولعل‭ ‬جرائم‭ ‬المستقبل‭ ‬ستكون‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬أدوات‭ ‬عصر‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعى‭ ‬تطوير‭ ‬التشريعات‭ ‬ذات‭ ‬الارتباط‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬معطيات‭ ‬وافرازات‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭. ‬ولعل‭ ‬بعض‭ ‬معالم‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬قد‭ ‬بانت‭ ‬علائمها‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ظاهرة‭ ‬المخدرات‭ ‬الرقمية‭ (‬Digital Drugs‭).‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬اليوم‭ ‬استهلاك‭ ‬المخدّرات‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬تعاطيها‭ ‬بالوريد‭ ‬أو‭ ‬مضغها‭ ‬أو‭ ‬شمها‭ ‬أو‭ ‬تدخينها،‭ ‬بل‭ ‬تطور‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬ليحول‭ ‬نظم‭ ‬التعاطي‭ ‬إلى‭ ‬تعاطٍ‭ ‬إلكتروني،‭ ‬أو‭ ‬تعاطٍ‭ ‬رقمي‭ ‬يحدث‭ ‬نفس‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬تمنحه‭ ‬المخدّرات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬الذبذبات‭ ‬الالكترونية‭ ‬تستخدم‭ ‬لتنفير‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمبادئ‭ ‬الدينية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬خطير‭ ‬يستوجب‭ ‬مواجهته‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬جرائم‭ ‬التعاطي‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للمخدارات‭ ‬تمس‭ ‬ذات‭ ‬من‭ ‬يتعاطاها،‭ ‬فإن‭ ‬هدم‭ ‬القيم‭ ‬والدين‭ ‬والمبادئ‭ ‬تمس‭ ‬عموم‭ ‬المجتمع‭ ‬وتمس‭ ‬أمة‭ ‬بكاملها،‭ ‬فإذا‭ ‬سقطت‭ ‬القيم‭ ‬سقط‭ ‬المجتمع‭.‬

إن‭ ‬التكوين‭ ‬المادي‭ ‬للمخدرات‭ ‬الرقمية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مقاطع‭ ‬صوتية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬ضربات‭ ‬ثنائية،‭ ‬أو‭ ‬أصوات‭ ‬تسمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأذنين‭ (‬كل‭ ‬أذن‭ ‬تصدر‭ ‬ترددا‭ ‬مختلفا‭ ‬عن‭ ‬الأذن‭ ‬الأخرى‭)‬،‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬يجعل‭ ‬الدماغ‭ (‬في‭ ‬مركز‭ ‬السمع‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬القشرة‭ ‬المخية‭) ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬توحيدها،‭ ‬فيسمع‭ ‬شيئا‭ ‬آخر‭ ‬مختلفا‭ ‬عن‭ ‬الصوتين‭ ‬المستقبلين‭ ‬من‭ ‬الأذن،‭ ‬ليتم‭ ‬الوصول‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لإحساس‭ ‬يحاكي‭ ‬إحساس‭ ‬أحد‭ ‬أنواع‭ ‬المخدرات‭ ‬التقليدية‭ (‬الطبيعية‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اضطراب‭ ‬وفقد‭ ‬وعي‭ ‬الانسان،‭ ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬وعيا‭ ‬مطلقا‭ ‬أو‭ ‬العكس،‭ ‬والبعض‭ ‬يسميها‭ ‬لحظة‭ ‬الشرود،‭ ‬وتعد‭ ‬مرحلة‭ ‬خطرة‭ ‬جدا‭ ‬لأن‭ ‬الدماغ‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ضعف‭ ‬شديد‭ ‬يستتبع‭ ‬إمكان‭ ‬تعرضه‭ ‬لأي‭ ‬خطر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التكرار‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬الكهرباء‭ ‬الخاصة‭ ‬بالدماغ‭.‬

ويمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬المخدرات‭ ‬الرقمية،‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ملفات‭ ‬لنغمات‭ ‬موسيقية‭ ‬بترددات‭ (‬وشفرات‭) ‬مختلفة‭ ‬تقوم‭ ‬بخداع‭ ‬المخ‭ ‬ليبدي‭ ‬محاولته‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬تلك‭ ‬الترددات‭ ‬فيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬اضطرابات‭ ‬ذهنية‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬السمع‭ ‬والجسد‭ ‬وتسبب‭ ‬ارتعاشات‭ ‬تطابق‭ ‬مرحلة‭ ‬النشوة‭ ‬التي‭ ‬يصلها‭ ‬المتعاطي‭ ‬للمخدرات‭ ‬التقليدية‭.‬

ورغم‭ ‬محاولة‭ ‬البعض‭ ‬المتفائل‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المدرك‭ ‬لخطورة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المخدرات‭ ‬بإطلاق‭ ‬إصطلاح‭ (‬مدمن‭ ‬افتراضي‭) ‬على‭ ‬متعاطي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المخدرات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الوقائع‭ ‬تثير‭ ‬قلق‭ ‬أصحاب‭ ‬الاختصاص‭ ‬بشدة‭ ‬والذين‭ ‬قرعوا‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجدوا‭ ‬عجزا‭ ‬تشريعيا‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬مكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬لتجريم‭ ‬المخدرات‭ ‬بصورتها‭ ‬الرقمية‭.‬

فالقانون‭ ‬رقم‭ (‬15‭) ‬لسنة‭ ‬2007‭ ‬بشأن‭ ‬المواد‭ ‬المخدرة‭ ‬والمؤثرات‭ ‬العقلية‭ ‬ورغم‭ ‬تأكيده‭ ‬بالعموميات‭ ‬على‭ ‬تجريمه‭ ‬للمخدرات‭ ‬إنتاجا‭ ‬وتجارة‭ ‬وتعاطيا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يقف‭ ‬عاجزا‭ ‬أمام‭ ‬تقنية‭ ‬الإنتاج‭ ‬ووسائل‭ ‬الترويج‭ ‬والتوزيع‭ (‬اللامرئية‭) ‬وسرعة‭ ‬انتشارها‭ ‬وطريقة‭ ‬التناول‭ ‬والتداول‭ (‬بالأثير‭) ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكلف‭ ‬سوى‭ ‬سماعة‭ ‬أذن‭ ‬لايمكن‭ ‬للقانون‭ ‬أن‭ ‬يُجرّم‭ ‬امتلاكها‭.‬

إذ‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬أعلاه‭ ‬جرم‭ ‬المتاجرة‭ ‬وصناعة‭ ‬المخدرات‭ ‬والاستخراج‭ ‬والتحضير‭ ‬والحيازة‭ ‬والتقديم‭ ‬والعرض‭ ‬للبيع‭ ‬والتوزيع‭ ‬والشراء،‭ ‬ولم‭ ‬يُجوّز‭ ‬المتاجرة‭ ‬بالمستحضرات‭ ‬الحاوية‭ ‬على‭ ‬مخدرات‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوعها‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬من‭ ‬الجيد‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬اطلاقه‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يقيد‭ ‬بمقتضى‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬افترض‭ ‬أن‭ ‬مصدر‭ ‬المخدرات‭ ‬هو‭ ‬مادي‭ ‬أي‭ (‬مرئي‭ ‬وملموس‭) ‬فحرم‭ ‬زراعة‭ ‬المخدرات‭ ‬وقيد‭ ‬أنواعها‭ ‬بنباتات‭ ‬القنب‭ ‬وخشخاش‭ ‬الأفيون‭ ‬والقات‭ ‬وجنبة‭ ‬الكوكا‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولتأكيد‭ ‬القيد‭ ‬المادي‭ ‬حرم‭ ‬نفس‭ ‬القانون‭ ‬نقل‭ ‬هذه‭ ‬النباتات‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬طور‭ ‬من‭ ‬أطوار‭ ‬نموها‭.‬

وهنا‭ ‬نشأت‭ ‬الإشكالية‭ ‬القانونية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬إثبات‭ ‬إنتاج‭ ‬المخدرات‭ ‬الرقمية‭ ‬والمتاجرة‭ ‬فيها‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬تعاطيها‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬يستمع‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬ملفات‭ ‬الموسيقى‭ ‬المخدرة‭. ‬فالقانون‭ ‬المذكور‭ ‬لمكافحة‭ ‬المواد‭ ‬المخدرة‭ ‬والمؤثرات‭ ‬العقلية،‭ ‬أكد‭ ‬في‭ ‬نصوصه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المخدرات‭ ‬هي‭ (‬مادة‭) ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬شيء‭ ‬مرئي‭ ‬وملموس،‭ ‬والسؤال‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬المخدرات‭ ‬الرقمية،‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬تعريف‭ ‬هذه‭ ‬الملفات‭ ‬الصوتية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مادة؟‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬غير‭ ‬ملموسة؟‭ ‬بل‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬محاسبة‭ ‬من‭ ‬روج‭ ‬لهذه‭ ‬الملفات‭ ‬كونها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جريمة‭ ‬لولا‭ ‬وجود‭ ‬سماعات‭ ‬الأذن‭ ‬المباحة‭ ‬في‭ ‬الأصل؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬التعاطي‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المخدرات،‭ ‬والتناول‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬علاج‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬النفسية،‭ ‬لشريحة‭ ‬من‭ ‬المصابين‭ ‬بالاكتئاب‭ ‬الخفيف‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬المرضى‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬العلاج‭ ‬السلوكي‭ (‬الأدوية‭)‬،‭ ‬ولهذا‭ ‬تم‭ ‬العلاج‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تذبذبات‭ ‬كهرومغناطيسية،‭ ‬لفرز‭ ‬مواد‭ ‬منشطة‭ ‬للمزاج؟

وعلى‭ ‬تقرير‭ ‬أي‭ ‬مختبر‭ ‬يعتمد‭ ‬القاضي‭ ‬في‭ ‬فحص‭ ‬واثبات‭ ‬تعاطي‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المخدرات؟‭ ‬إن‭ ‬عدم‭ ‬الاجابة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تشريع‭ ‬تجريم‭ ‬المواد‭ ‬المخدرة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬البحريني‭ ‬وفقا‭ ‬لقانون‭ ‬مكافحة‭ ‬المواد‭ ‬المخدرة‭ ‬رقم‭ (‬15‭) ‬لسنة‭ ‬2007‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬التشريعات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬منسجمة‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬أصل‭ ‬المادة‭ ‬المخدرة‭ ‬وأساليب‭ ‬تداولها‭ ‬وتعاطيها،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يهدد‭ ‬الفئة‭ ‬العمرية‭ ‬الفعالة‭ ‬والمسؤولة‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬الوطن‭.‬

ولعلنا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الاجتهاد‭ ‬القانوني،‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬مقومات‭ ‬جريمة‭ ‬المخدرات‭ ‬الرقمية‭ ‬يمكن‭ ‬احتواؤها‭ ‬تكوينا‭ ‬وتاصيلا‭ ‬وتجريما‭ ‬وفقا‭ ‬لحكم‭ ‬المواد‭ (‬1-4-23‭) ‬من‭ ‬قانون‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬رقم‭ ‬60‭ ‬لسنة‭ ‬2014،‭ ‬حيث‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬القائلين‭ ‬بأن‭ ‬المخدرات‭ ‬الرقمية‭ ‬ليست‭ ‬“مادة”؛‭ ‬إذ‭ ‬“المادة”‭ ‬قائمة‭ ‬وموجودة‭ ‬في‭ ‬المخدرات‭ ‬الرقمية‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬التردد‭ ‬والشفرة‭ ‬الجرمية‭ ‬الموضوعة‭ ‬بالتكوين‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للقطعة‭ ‬الموسيقية‭ ‬أو‭ ‬المادة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المستخدمة‭ ‬بما‭ ‬يتشكل‭ ‬معه‭ ‬الركن‭ ‬المادي‭ ‬للجريمة‭ ‬والذي‭ ‬يكون‭ ‬مناطا‭ ‬للعقاب‭ ‬المقرر‭ ‬للجريمة‭ ‬التقليدية‭ ‬بموجب‭ ‬النصوص‭ ‬العقابية‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭.‬