تجاوز آثار جائحة فيروس كورونا

| د. عبدالقادر ورسمه

تركت‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬آثارا‭ ‬عميقة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬وتأثر‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬غنيها‭ ‬وفقيرها،‭ ‬شمالها‭ ‬وجنوبها‭. ‬وآثار‭ ‬الجائحة،‭ ‬اختلفت‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬لآخر‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬تضرر‭ ‬للحد‭ ‬البعيد‭ ‬المهلك‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬صدمته‭ ‬أخف‭ ‬لدرجة‭ ‬يمكن‭ ‬تحملها،‭ ‬وهكذا‭ ‬كل‭ ‬بمقدار‭.‬

من‭ ‬أكثر‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬تأثرت،‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والتوظيف،‭ ‬إذ‭ ‬خسر‭ ‬الملايين‭ ‬وظائفهم‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر‭ ‬أو‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬لفقدانها‭.‬

وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬“أرقي‭ ‬العائلات”‭ ‬وأغنى‭ ‬الدول‭ ‬وأكبر‭ ‬الشركات‭. ‬وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬الحرج‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬ووسائل‭ ‬عمل‭ ‬جديدة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬الروتينية‭ ‬والياقات‭ ‬البيضاء‭ ‬والبدل‭ ‬“الأسموكنق”‭ ‬و‭ ‬“البشوت”‭ ‬وما‭ ‬شابه‭. ‬ولهذا،‭ ‬علينا‭ ‬مراجعة‭ ‬طرق‭ ‬التعليم‭ ‬والتعلم‭ ‬والتدريب‭. ‬ونحتاج‭ ‬لتعليم‭ ‬يمكن‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وعدم‭ ‬انتظار‭ ‬الوظائف‭ ‬المغلفة‭ ‬الجاهزة‭. ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬نحتاج‭ ‬لخلق‭ ‬ثقافة‭ ‬عمل‭ ‬جديدة‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تمجيد‭ ‬أصحاب‭ ‬الكفاءات‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬والإبداع‭ ‬مع‭ ‬الاستفادة‭ ‬لأقصى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬مخرجات‭ ‬التقنية‭ ‬وتوظيفها‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬خصوصا‭ ‬مخرجات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ولينافس‭ ‬الإنسان‭ ‬الآلة‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.‬

ومن‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬تأثرت،‭ ‬نجد‭ ‬قطاع‭ ‬الطيران‭ ‬والسفريات‭ ‬والسياحة‭ ‬والفندقة‭. ‬وهذه‭ ‬الأعمال‭ ‬مكملة‭ ‬لبعضها،‭ ‬وبسبب‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬توقف‭ ‬السفر‭ ‬وتضررت‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل‭ ‬الأخرى،‭ ‬وكذلك‭ ‬تضرر‭ ‬قطاع‭ ‬الفندقة‭ ‬والسياحة‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬الزبائن‭. ‬وكما‭ ‬ورد،‭ ‬فإن‭ ‬شركات‭ ‬طيران‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬للإفلاس‭ ‬والانهيار‭ ‬المالي‭. ‬وهذا‭ ‬بالطبع،‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬الفنادق‭ ‬والمنتجعات‭ ‬السياحية‭ ‬وخدمات‭ ‬الترفيه‭ ‬والأكل‭ ‬والشرب‭ ‬والرياضة‭. ‬وللخروج‭ ‬من‭ ‬النفق،‭ ‬يكون‭ ‬مناسبا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الاندماج‭ ‬والاستحواذ‭ ‬والتملك‭ ‬لتوحيد‭ ‬الجهود‭ ‬وتقليل‭ ‬التكاليف‭ ‬لأكبر‭ ‬قدر‭.‬‭ ‬وأيضا،‭ ‬من‭ ‬المناسب‭ ‬لهذه‭ ‬القطاعات‭ ‬تقديم‭ ‬برامج‭ ‬سفر‭ ‬وإقامة‭ ‬مخفضة‭ ‬لاستقطاب‭ ‬الزبائن‭ ‬ومنح‭ ‬امتيازات‭ ‬خاصة‭ ‬لنوعية‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الزبائن‭ ‬مثل‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬أو‭ ‬الطلاب‭ ‬أو‭ ‬المجموعات‭ ‬السياحية‭. ‬إن‭ ‬تحريك‭ ‬الطيران‭ ‬وملأ‭ ‬الفنادق،‭ ‬يحتاج‭ ‬لخطوات‭ ‬جريئة‭ ‬وشجاعة‭ ‬لا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬بعد‭ ‬استقرار‭ ‬النفوس‭ ‬وهدوء‭ ‬الخواطر‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬تشجع‭ ‬الجميع‭ ‬للتعامل‭ ‬والتأقلم‭ ‬الشخصي‭ ‬مع‭ ‬مستجدات‭ ‬الجائحة،‭ ‬بدلا‭ ‬عن‭ ‬الانكفاء‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬والعالم‭.‬

قطاع‭ ‬تجارة‭ ‬التجزئة،‭ ‬أيضا‭ ‬تأثر‭ ‬كثيرا‭ ‬بسبب‭ ‬الإغلاق‭ ‬وعدم‭ ‬التجوال‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الإصابة‭ ‬بالفيروس‭. ‬والآن‭ ‬مع‭ ‬فتح‭ ‬الأسواق،‭ ‬على‭ ‬التجار‭ ‬العمل‭ ‬برؤية‭ ‬ثاقبة‭ ‬لاستعادة‭ ‬الأسواق‭ ‬لرونقها‭ ‬وبهائها‭. ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬كسب‭ ‬الزبائن‭ ‬وتقديم‭ ‬تخفيضات‭ ‬معقولة‭ ‬حتى‭ ‬يعودون‭ ‬تدريجيا‭ ‬لـ‭ ‬“حِمى‭ ‬الأسواق”‭. ‬والمطلوب‭ ‬الآن،‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬الأنظار‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬بضائع‭ ‬جديدة‭ ‬بأسعار‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الممكن‭. ‬وإلا‭ ‬ستظل‭ ‬الأسواق‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الزبائن،‭ ‬لأن‭ ‬“فيروس‭ ‬الأسعار‭ ‬العالية”‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬كورونا‭ ‬فيروس‭. ‬وهكذا،‭ ‬لنعمل‭ ‬جميعا‭ ‬لتجاوز‭ ‬الجائحة‭ ‬والعودة‭ ‬للحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الآمنة،‭ ‬ولنتعلم‭ ‬ونستفيد‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬القاسية‭ ‬لخلق‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭.‬