ومضة قلم

الظلم الوظيفي

| محمد المحفوظ

هناك‭ ‬صنف‭ ‬من‭ ‬الإداريين‭ ‬أحادي‭ ‬النظرة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬إلا‭ ‬صوتا‭ ‬واحدا‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬صوته‭ ‬ويمارس‭ ‬صلاحياته‭ ‬طبقا‭ ‬لرأيه‭ ‬وحده‭. ‬أمّا‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬يفرزها‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الإداري‭ ‬فإنها‭ ‬بالطبع‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬برمتها،‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬“الإداري”‭ ‬يخلق‭ ‬مشكلات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬كأن‭ ‬يلجأ‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬إلى‭ ‬التغيّب،‭ ‬وآخرون‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬الإجازات‭ ‬المرضية‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬انتقامي،‭ ‬وفئة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬التقاعس‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬واجباتها‭.‬

الناس‭ ‬بطبعهم‭ ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬الشخص‭ ‬صاحب‭ ‬الشخصية‭ ‬أحادية‭ ‬التفكير‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬يتربع‭ ‬على‭ ‬مؤسسة‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬آخر‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬تناقض‭ ‬الفطرة‭ ‬السليمة،‭ ‬وليس‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أية‭ ‬مؤسسة‭ ‬تدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تصادم‭ ‬بين‭ ‬المسؤول‭ ‬والموظفين‭ ‬الذين‭ ‬شاءت‭ ‬حظوظهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬أحد‭ ‬هؤلاء،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬مر‭ ‬بخاطرهم‭ ‬تساؤل‭ ‬حول‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬جعلتهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬رغم‭ ‬افتقارهم‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الإدارة‭ ‬أو‭ ‬الذكاء‭ ‬الإداري‭.‬

يسرد‭ ‬الموظفون‭ ‬ألوانا‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬والعذابات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبرح‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬نتيجة‭ ‬معاملة‭ ‬اتسمت‭ ‬بالقسوة‭ ‬غير‭ ‬مبررة‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬أنّ‭ ‬أقدارهم‭ ‬شاءت‭ ‬أن‭ ‬يقعوا‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬السيئة،‭ ‬فانقلبت‭ ‬حياتهم‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فإنّ‭ ‬أحد‭ ‬الموظفين‭ ‬رزق‭ ‬بمولود‭ ‬يعاني‭ ‬إعاقة‭ ‬جسدية‭ ‬وذهنية‭ ‬استدعت‭ ‬الحالة‭ ‬أخذه‭ ‬للعلاج‭ ‬الطبيعي،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬المسؤول‭ ‬يرفض‭ ‬خروجه‭ ‬متذرعا‭ ‬بالقانون،‭ ‬ورغم‭ ‬إلحاح‭ ‬الأب‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬لدى‭ ‬مديره‭ ‬صدى،‭ ‬حينها‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬مخرجا‭ ‬إلا‭ ‬الاستقالة‭!‬

أمّا‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬فإنه‭ ‬أشد‭ ‬فداحة‭ ‬قياسا‭ ‬بالمواقع‭ ‬الأخرى،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬بعض‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬يمارسون‭ ‬تسلطاً‭ ‬إزاء‭ ‬مرؤوسيهم‭ ‬من‭ ‬المربين‭ ‬يفوق‭ ‬التصور،‭ ‬ويتم‭ ‬هذا‭ ‬للأسف‭ ‬دون‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬بحق‭ ‬الإدارات‭.‬

هناك‭ ‬فارق‭ ‬شاسع‭ ‬بين‭ ‬الحزم‭ ‬والتسلط،‭ ‬فالأول‭ ‬يمارس‭ ‬مهمته‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬عنف‭ ‬ويتصف‭ ‬باللين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ضعف،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّ‭ ‬المتسلط‭ ‬لا‭ ‬يراعي‭ ‬القواعد‭ ‬السلوكية‭ ‬ولا‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬وتعاملهم‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المرونة‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬أدنى‭ ‬درجات‭ ‬الاحترام‭.‬