مواقف إدارية

ما المشكلة في رأيك؟!

| أحمد البحر

خلال‭ ‬رحلتنا‭ ‬المهنية‭ ‬نطوف‭ ‬بمحطات‭ ‬ونعايش‭ ‬مواقف‭ ‬مختلفة،‭ ‬ونصادف‭ ‬شخوصًا‭ ‬قد‭ ‬نختلف‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬سلوكياتها‭ ‬وأساليب‭ ‬إدارتها‭ ‬للعمل‭ ‬وقد‭ ‬نتفق‭ ‬مع‭ ‬أخرى‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬خير‭. ‬فكما‭ ‬يقول‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭: ‬’’تعلمت‭ ‬الصمت‭ ‬من‭ ‬الثرثارين،‭ ‬والتسامح‭ ‬من‭ ‬المتعصبين،‭ ‬والرحمة‭ ‬من‭ ‬قساة‭ ‬القلوب،‭ ‬ولكن‭ ‬الغريب‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أشعر‭ ‬بالامتنان‭ ‬تجاه‭ ‬هؤلاء‭ ‬المعلمين‘‘‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليها‭ ‬اثنان‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬لسلوك‭ ‬المسؤول‭ ‬تأثيرًا‭ ‬على‭ ‬مناخ‭ ‬العمل‭ ‬ومعنويات‭ ‬العاملين‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬سلبية‭ ‬أو‭ ‬إيجابية‭.‬

والآن‭ ‬أضع‭ ‬أمامك،‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ،‭ ‬الموقف‭ ‬التالي‭ ‬لترى‭ ‬بنفسك‭ ‬تأثير‭ ‬السلوك‭ ‬الشخصي‭ ‬للمسؤول‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬وعلى‭ ‬معنوياتهم‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬حالتهم‭ ‬النفسية‭ ‬والصحية‭.‬

موظف‭ ‬حديث‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬اقترح‭ ‬زيارة‭ ‬مدير‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬وتقديم‭ ‬التهنئة‭ ‬له‭ ‬احتفالًا‭ ‬بإحدى‭ ‬المناسبات‭ ‬العامة،‭ ‬وعندما‭ ‬لم‭ ‬يلق‭ ‬أي‭ ‬تجاوب‭ ‬من‭ ‬زملائه‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بتلك‭ ‬المهمة‭ ‬لوحده‭. ‬دخل‭ ‬صاحبنا‭ ‬مكتب‭ ‬المدير‭ ‬باسمًا‭ ‬فرحًا‭ ‬وخرج‭ ‬منه‭ ‬مكفهر‭ ‬الوجه‭ ‬كئيبًا‭. ‬حاول‭ ‬الزملاء‭ ‬مواساته‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الصدمة‭ ‬كانت‭ ‬شديدة‭ ‬وقوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬وأفقدته‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الكلام‭ ‬لفترة‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬صحا‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬الصدمة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬وأخذ‭ ‬يردد‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬له‭: ‬كان‭ ‬المدير‭ ‬يطالع‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬عليه،‭ ‬ورأسًا‭ ‬بادرني‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬رأسه‭ ‬عن‭ ‬الصحيفة‭: ‬“نعم،‭ ‬ماذا‭ ‬تريد؟‭ ‬لماذا‭ ‬تركت‭ ‬مكتبك‭! ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تعطون‭ ‬العمل‭ ‬حقه؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تحلل‭ ‬راتبك؟”‭. ‬كان‭ ‬يقذف‭ ‬بتلك‭ ‬العبارات‭ ‬باستهزاء‭ ‬وتهكم‭. ‬أخبرته‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬زيارتي‭ ‬له‭ ‬فعلق‭ ‬بسخرية‭ ‬قائلًا‭: ‬“هنا‭ ‬مكان‭ ‬عمل‭ ‬وليس‭ ‬لتبادل‭ ‬التهاني‭ ‬والتبريكات،‭ ‬عد‭ ‬إلى‭ ‬عملك‭ ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لديك‭ ‬عمل‭ ‬واترك‭ ‬عنك‭ ‬هذه‭ ‬المجاملات‭.. ‬أنا‭ ‬أؤمن‭ ‬بنتائج‭ ‬العمل‭. ‬أعتقد‭ ‬أنك‭ ‬فهمت‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭!‬”‭.‬

سلوكيات‭ ‬المدير‭ ‬تلك‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬غريبة‭ ‬على‭ ‬العاملين‭ ‬معه،‭ ‬فقد‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬أسلوب‭ ‬السخرية‭ ‬والاستهزاء‭ ‬الذي‭ ‬يستخدمه‭ ‬معهم،‭ ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬وتردي‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬للإدارة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬الكلمات‭ ‬القاسية‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬أضرار‭ ‬صحية‭ ‬لبعض‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭. ‬ما‭ ‬مشكلة‭ ‬هذا‭ ‬المدير‭ ‬في‭ ‬رأيك‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬افتقاره‭ ‬لأسلوب‭ ‬التواصل‭ ‬الفعال‭ ‬أم‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬أسبابا‭ ‬أخرى؟