من جديد

هل أنت سعيد؟

| د. سمر الأبيوكي

إلى‭ ‬أين‭ ‬وصلت؟‭ ‬ماذا‭ ‬حققت؟‭ ‬كم‭ ‬راتبك؟‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬منزل‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬تزوجت؟‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬أبناء؟‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تحاصرنا‭ ‬يمينا‭ ‬وشمالا‭ ‬وعند‭ ‬لقاء‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭ ‬وحتى‭ ‬أولئك‭ ‬العابرين‭ ‬الذين‭ ‬نلقاهم‭ ‬لمرة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬مرات‭ ‬محدودة،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬الأسئلة‭ ‬الطويلة‭ ‬من‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬مستوى‭ ‬السعادة‭ ‬والرضا‭! ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬وعليها‭ ‬تبنى‭ ‬الحياة،‭ ‬لكنني‭ ‬أجد‭ ‬إنكارا‭ ‬لها،‭ ‬وكأن‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬ويملك‭ ‬منزلا‭ ‬وأسرة‭ ‬هو‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ودون‭ ‬تردد‭ ‬إنسان‭ ‬سعيد‭!‬

لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الإجحاف‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬السعادة؟‭ ‬وكأنها‭ ‬تابع‭ ‬لصيق‭ ‬للوظيفة‭ ‬والمنزل‭ ‬والعائلة،‭ ‬لماذا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬وظيفة‭ ‬بسيطة‭ ‬ويجني‭ ‬القليل‭ ‬إنسان‭ ‬ليس‭ ‬سعيدا؟‭ ‬ولماذا‭ ‬نتوسم‭ ‬أن‭ ‬المسؤول‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬أمره‭ ‬وحياته‭ ‬سعيد؟‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العزيزة‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬بعين‭ ‬فيها‭ ‬أسى‭ ‬لفتاة‭ ‬تأخرت‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬متناسية‭ ‬دورها‭ ‬وقيمتها‭ ‬ومختزلة‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ (‬مسكينة‭ ‬لحين‭ ‬ما‭ ‬عرست‭!)‬،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أسعد‭ ‬إنسانة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬وراضية‭ ‬تمام‭ ‬الرضا،‭ ‬ولا‭ ‬أفهم‭ ‬أيضا‭ ‬نظرات‭ ‬الاستكثار‭ ‬والحسد‭ ‬لشخص‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬مركز‭ ‬ولديه‭ ‬عائلة‭ ‬وراتب‭ ‬مجزي‭ ‬فيصبح‭ ‬التعليق‭ ‬المرادف‭ ‬لذكر‭ ‬اسمه‭ (‬اش‭ ‬يبي‭ ‬بعد‭ ‬عنده‭ ‬كل‭ ‬شي‭) ‬دون‭ ‬إدراك‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعانيه‭ ‬ذاك‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬كواليس‭ ‬حياته‭.‬

هل‭ ‬أصبحت‭ ‬السعادة‭ ‬صورا‭ ‬نبرزها‭ ‬للمجتمع‭ ‬عبر‭ ‬هندامنا،‭ ‬وسياراتنا،‭ ‬وأشغالنا،‭ ‬وصورنا‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي؟‭ ‬للسعادة‭ ‬مفهوم‭ ‬عميق‭ ‬يلخص‭ ‬أحاسيسنا‭ ‬ومشاعرنا‭ ‬ورضانا‭ ‬بأبسط‭ ‬الأمور‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭ ‬عند‭ ‬الجلوس‭ ‬مع‭ ‬أحدهم،‭ ‬بل‭ ‬أراها‭ ‬أهم‭ ‬وأعمق‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬نقدمها‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مباركة‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬أقل‭ ‬دفئا‭ ‬عن‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭ ‬حيث‭ ‬فقدت‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬السعادة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬الجمة،‭ ‬وأنا‭ ‬هنا‭ ‬أرجو‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬يبادروا‭ ‬في‭ ‬سؤال‭ ‬الآخرين‭ ‬عن‭ ‬أمزجتهم‭ ‬وراحتهم‭ ‬وأحاسيسهم،‭ ‬فكلماتنا‭ ‬الطيبة‭ ‬تبعث‭ ‬الراحة‭ ‬وتنشر‭ ‬الإيجابية،‭ ‬فلا‭ ‬فائدة‭ ‬إن‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬زميلي‭ ‬استبدل‭ ‬سيارته‭ ‬بأخرى‭ ‬أحدث،‭ ‬لكن‭ ‬سأسعد‭ ‬إن‭ ‬لاقاني‭ ‬بشوشا‭ ‬مرتاح‭ ‬البال‭ ‬سعيدا‭.‬