“لا تلمسني”

| رضي السماك

جاءت‭ ‬مداخلات‭ ‬ضيوف‭ ‬الحلقة‭ ‬المستديرة‭ ‬الافتراضية‭ ‬السادسة‭ ‬لقمة‭ ‬بيروت‭ ‬انستيوت‭ ‬في‭ ‬أبوظبي‭ ‬التي‭ ‬نُظمت‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬بعنوان‭ ‬“الاستقرار‭ ‬بمفهومه‭ ‬الجديد‭... ‬من‭ ‬يؤلف‭ ‬المستقبل؟”‭ ‬ثرية‭ ‬في‭ ‬مضامينها‭ ‬لدى‭ ‬تشخيص‭ ‬الوضع‭ ‬العالمي‭ ‬شديد‭ ‬الاضطراب‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تداعيات‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬تاريخياً‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تسييسها‭ ‬على‭ ‬شتى‭ ‬الأصعدة‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬المداخلات‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬ما‭ ‬أدلى‭ ‬به‭ ‬مدير‭ ‬متحف‭ ‬الأرميتاج‭ ‬الروسي‭ ‬البروفيسور‭ ‬المستشرق‭ ‬ميخائيل‭ ‬بيوتروفسكي‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬أشبه‭ ‬بالمفكر‭ ‬الذي‭ ‬يفكر‭ ‬خارج‭ ‬صندوق‭ ‬نظام‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تمسك‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬بإرثه‭ ‬الشيوعي‭ ‬السابق‭ ‬تحت‭ ‬قيادته‭ ‬الحالية،‭ ‬حاله‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكفاءات‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬المضطرة‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬صناديق‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬المغلقة‭ ‬فيما‭ ‬أفقها‭ ‬بسعة‭ ‬أفق‭ ‬العالم‭.‬

لامس‭ ‬هذا‭ ‬المستشرق‭ ‬المتمكن‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬والمولع‭ ‬بتراثنا‭ ‬العربي،‭ ‬جوهر‭ ‬الحقيقة‭ ‬حينما‭ ‬استعار‭ ‬عبارة‭ ‬“لا‭ ‬تلمسني”‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬فوبيا‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬التلامس‭ ‬والإصابة‭ ‬بالعدوى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قواعد‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬راهناً‭ ‬من‭ ‬انقسام‭ ‬وتباعد‭ ‬فعلي‭ ‬بين‭ ‬أعضائه؛‭ ‬فكأنما‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭: ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ - ‬خصوصا‭ ‬الكبرى‭ - ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تنأى‭ ‬بنفسها‭ ‬متوهمةً‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مجابهة‭ ‬الوباء‭ ‬وحدها‭ ‬مدفوعةً‭ ‬بالنزعة‭ ‬الفردانية‭ ‬فيما‭ ‬بات‭ ‬العالم‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬سفينة‭ ‬واحدة‭ ‬وأضحى‭ ‬محشوراً‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬كونية‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬لسكانها‭ ‬من‭ ‬توحيد‭ ‬جهودهم‭ ‬لصد‭ ‬الخطر‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬وجودهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭. ‬بيتروفسكي‭ ‬عوّل‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية‭ ‬البديلة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬ثقافة‭ ‬الانعزال‭ ‬الحالية‭ ‬وفوبيا‭ ‬“لا‭ ‬تلامسني”‭ ‬ولا‭ ‬تلامس‭ ‬ثقافتي‭ ‬ولا‭ ‬ألامس‭ ‬ثقافتك،‭ ‬وهذه‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الضيقة‭ ‬المتعصبة،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسميها‭ ‬عقدة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬هوية‭ ‬قومية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬واحدة‭. ‬فمن‭ ‬الجميل‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭ - ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬هويات‭ ‬متعددة؛‭ ‬مشدداً‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬بناء‭ ‬الجسور‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬والثقافات‭ ‬المتباينة‭.‬