زبدة القول

لقد فعلنا هذا بأنفسنا

| د. بثينة خليفة قاسم

في‭ ‬دراسة‭ ‬للعالم‭ ‬البيولوجي‭ ‬الأميركي‭ ‬توماس‭ ‬لوفجوي‭ ‬الملقب‭ ‬بالأب‭ ‬الروحي‭ ‬للتنوع‭ ‬البيولوجي،‭ ‬أشارت‭ ‬إليها‭ ‬صحيفة‭ ‬الغارديان‭ ‬البريطانية،‭ ‬قال‭ ‬العالم‭ ‬الشهير‭ ‬إن‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬ليس‭ ‬انتقام‭ ‬الطبيعة،‭ ‬لكننا‭ ‬الذي‭ ‬فعلنا‭ ‬ذلك‭ ‬بأنفسنا‭ ‬جراء‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬غير‭ ‬أخلاقي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الطبيعة،‭ ‬مشيرا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬جرائم‭ ‬يرتكبها‭ ‬الإنسان‭ ‬بحق‭ ‬هذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬بحق‭ ‬نفسه‭ ‬كإنسان،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬القاتل‭ ‬وستبقى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬سببا‭ ‬لظهور‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفيروسات‭ ‬الأخرى‭ ‬الجديدة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتبن‭ ‬الدول‭ ‬مقاربة‭ ‬أكثر‭ ‬احتراما‭ ‬للطبيعة‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬تجلب‭ ‬البلايا‭ ‬على‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬ذكر‭ ‬لوفجوي‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الضارة‭ ‬التي‭ ‬تطلقها‭ ‬المصانع‭ ‬ليلا‭ ‬ونهارا‭ ‬والتجارة‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬الحيوانات‭ ‬البرية‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تباع‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬ووهان‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬والتي‭ ‬أشارت‭ ‬إليها‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬في‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭.‬

عند‭ ‬قراءتي‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬البريطانية‭ ‬تذكرت‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬“ظهر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والبحر‭ ‬بما‭ ‬كسبت‭ ‬أيدي‭ ‬الناس‭...‬”،‭ ‬فالبشر‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يعتدون‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬المال‭ ‬يقومون‭ ‬بمعاندة‭ ‬النواميس‭ ‬التي‭ ‬خلقها‭ ‬الله‭.‬

وسواء‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬فيها‭ ‬البشرية‭ ‬ثمنا‭ ‬لإساءة‭ ‬معاملة‭ ‬الطبيعة‭ ‬أم‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬بداية‭ ‬لسلسلة‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬الغضب‭ ‬والدمار‭ ‬الذي‭ ‬ينتظرها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الثمن‭ ‬يبدو‭ ‬باهظا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬رغم‭ ‬قصر‭ ‬المدة‭ ‬التي‭ ‬قضيناها‭ ‬مع‭ ‬ضيف‭ ‬كورونا‭ ‬الثقيل،‭ ‬فالوباء‭ ‬سيكلف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬‮١‬‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬طبقا‭ ‬للمنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬وسيفقد‭ ‬الناس‭ ‬نصف‭ ‬الوظائف‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وستزداد‭ ‬الوطأة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرا‭.‬

فماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬قد‭ ‬أنفقت‭ ‬ربع‭ ‬المليارات‭ ‬التي‭ ‬أنفقتها‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬الطبيعة؟‭ ‬كان‭ ‬الأحرى‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تعاقب‭ ‬وتضيق‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تضر‭ ‬بالطبيعة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬حروبها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوق‭ ‬المثليين‭.‬