سوالف

الكاتب الذي لا يهتم بمجتمعه يصفق له العار

| أسامة الماجد

إذا‭ ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬الأديب‭ ‬والكاتب‭ ‬الحياة‭ ‬بأبعادها‭ ‬المختلفة‭ ‬ومعرفة‭ ‬الحق‭ ‬وفعل‭ ‬الخير‭ ‬وتذوق‭ ‬الجمال،‭ ‬وملامسة‭ ‬الجرح‭ ‬الموغل‭ ‬في‭ ‬الآهات‭ ‬والاقتراب‭ ‬من‭ ‬طاحونة‭ ‬الأوجاع،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستحق‭ ‬لقب‭ ‬“أديب‭ ‬وكاتب”،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يعترف‭ ‬بحجم‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬يسببها‭ ‬للمجتمع،‭ ‬لأن‭ ‬الأديب‭ ‬المنزوي‭ ‬في‭ ‬قوقعته‭ ‬المبتعد‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬ولا‭ ‬يقدر‭ ‬المجهود‭ ‬الجماعي‭ ‬لرقي‭ ‬وتقدم‭ ‬الوطن‭ ‬ثقافيا،‭ ‬غير‭ ‬المبالي‭ ‬بالغد‭ ‬الأفضل،‭ ‬يكون‭ ‬أشبه‭ ‬بالمجمع‭ ‬اللغوي‭ ‬المعطل،‭ ‬وسيطارده‭ ‬الإحساس‭ ‬بالتفاهة‭ ‬والخيانة‭ ‬والعبث‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬الأديب‭ ‬والكاتب‭ ‬صاحب‭ ‬المسؤولية‭ ‬تصور‭ ‬مشاكل‭ ‬الغد،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تلافيها‭ ‬منذ‭ ‬اليوم،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخلق‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬الغد‭ ‬المشاكل‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يعانيها‭ ‬مجتمع‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مشاكل‭ ‬أخرى‭ ‬سيطرحها‭ ‬عليه‭ ‬عصره‭. ‬إن‭ ‬الأديب‭ ‬والكاتب‭ ‬مسؤول‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬عصره،‭ ‬ونجاحه‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مجتمع‭ ‬منسجم‭ ‬في‭ ‬الغد‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬إقناعه‭ ‬لكل‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬الثقافة‭ ‬شيئا‭ ‬ضروريا‭ ‬لا‭ ‬لحياة‭ ‬المجتمع‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬لحياة‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها،‭ ‬ولتوفير‭ ‬الإنتاج‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الرقي‭ ‬الحضاري،‭ ‬والثقافة‭ ‬ليست‭ ‬لهوا‭ ‬أو‭ ‬عبثا،‭ ‬كما‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يعطيه‭ ‬الكتاب‭ ‬والمفكرون‭ ‬والأدباء‭ ‬والباحثون‭ ‬للكتاب‭ ‬والمحاضرة‭ ‬والمقالة‭ ‬والفيلم‭.‬

أحد‭ ‬الأدباء‭ ‬العرب‭ ‬قالها‭ ‬وأعلن‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬ملزم‭ ‬بالوضع‭ ‬الثقافي‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬بالقضايا‭ ‬المصيرية‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬واقع‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬ومصيرها‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬معللا‭ ‬ذلك‭ ‬بسلوك‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬الغريب‭ ‬مع‭ ‬الأديب‭ ‬والكاتب‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬التغيير‭ ‬بكتاباته،‭ ‬فالمجتمع‭ ‬يقف‭ ‬ضد‭ ‬المنتج‭ ‬الأدبي‭ ‬وفي‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬خصوصا،‭ ‬فكيف‭ ‬نصف‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬المتناقضة؟

أقول‭ ‬لهذا‭ ‬الأديب‭ ‬الذي‭ ‬قرأت‭ ‬له‭ ‬كما‭ ‬قرأت‭ ‬لغيره،‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الكاتب‭ ‬والمفكر‭ ‬والأديب‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ناقما‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬أن‭ ‬ينضم‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬من‭ ‬يضطلع‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬وطنه‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬إضافة‭ ‬وفتحا‭ ‬جديدين‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬قلم‭ ‬متذمر‭ ‬يائس،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬ألبرتو‭ ‬مورافيا‭... ‬الكاتب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بمجتمعه‭ ‬يصفق‭ ‬له‭ ‬العار‭.‬