عندما تبلغ الستين

| زهير توفيقي

صادف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬الجاري‭ ‬عيد‭ ‬ميلادي‭ ‬الستين،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬نعمه،‭ ‬ويقول‭ ‬المثل‭ ‬الإنجليزي‭ ‬الشهير‭ ‬“الحياة‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬الأربعين”،‭ ‬وكاتب‭ ‬المقال‭ ‬ارتأى‭ ‬أن‭ ‬المثل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬تحديث،‭ ‬حيث‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬إلى‭ ‬تمديد‭ ‬العمر‭ ‬إلى‭ ‬الستين،‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬أجادل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬القديم،‭ ‬لكن‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬أعمار‭ ‬البشرية‭ ‬قد‭ ‬تغير،‭ ‬فصاحب‭ ‬الأربعين‭ ‬عامًا‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬يعتبر‭ ‬شابًا‭ ‬يانعا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬متوسط‭ ‬العمر‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬بلغ‭ ‬70‭,‬3‭ ‬عامًا‭ ‬حسب‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭.‬

في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬المدرس‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وليس‭ ‬الحصر‭ ‬يبدأ‭ ‬حياته‭ ‬العملية‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬تخرجه‭ ‬من‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬ننظر‭ ‬لهم‭ ‬ككبار‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬خصوصىا‭ ‬إذا‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬الأربعين‭!‬

شخصيًا‭ ‬عندما‭ ‬وصلت‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا،‭ ‬أدركت‭ ‬جيدا‭ ‬قيمة‭ ‬الحياة‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬هذا‭ ‬العمر‭ ‬سن‭ ‬النضج،‭ ‬فجميعنا‭ ‬نمر‭ ‬بمراحل‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬بدءًا‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬والإعدادية‭ ‬والثانوية‭ ‬مرورًا‭ ‬بالجامعية،‭ ‬وهنا‭ ‬أجد‭ ‬شخصيًا‭ ‬أنها‭ ‬المرحلة‭ ‬الأهم‭ ‬والمفصلية،‭ ‬خصوصا‭ ‬للطلبة‭ ‬الذين‭ ‬خاضوا‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فيها‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬حقًا‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬صعبة‭ ‬وشاقة،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬ممتعة،‭ ‬حيث‭ ‬الحب‭ ‬والألفة‭ ‬والنقاوة‭ ‬شعار‭ ‬علاقاتنا‭. ‬

وعن‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬لي،‭ ‬حاولت‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬تخرجي‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬عام‭ ‬1981‭ ‬أن‭ ‬أدعو‭ ‬أقرب‭ ‬أصدقائي‭ ‬خلال‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬وذلك‭ ‬للقاء‭ ‬يجمعنا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬نستذكر‭ ‬فيه‭ ‬الأيام‭ ‬الحلوة‭ ‬والمرة‭ ‬التي‭ ‬قضيناها‭ ‬هناك‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬أيضا‭ ‬تجديد‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬أصابها‭ ‬الفتور‭ ‬الشديد‭ ‬نتيجة‭ ‬انشغالنا‭ ‬بأعمالنا‭ ‬وعدم‭ ‬تواصلنا‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭.‬

المفاجأة‭ ‬كانت‭ ‬بأن‭ ‬لقاءنا‭ ‬كان‭ ‬فاترًا‭! ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬الجميع‭ ‬إنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذه‭ ‬للملمة‭ ‬هذه‭ ‬الجلسة،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬توصلنا‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬بأن‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الحميمين‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬نفس‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الانقطاع‭. ‬إذا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬تحكمها‭ ‬عوامل‭ ‬كثيرة‭ ‬وتمر‭ ‬بمراحل‭ ‬مختلفة،‭ ‬العائلية‭ ‬منها‭ ‬والعملية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬شخصيتنا‭ ‬تتغير‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬العلاقات،‭ ‬وأنا‭ ‬بالطبع‭ ‬لا‭ ‬ألوم‭ ‬أحدًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

 

لذا‭ ‬وجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مرحلة‭ ‬زمانها‭ ‬وظروفها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬البتة‭ ‬نسخ‭ ‬علاقات‭ ‬قديمة‭ ‬بنسخة‭ ‬جديدة،‭ ‬وعلى‭ ‬الخير‭ ‬والمحبة‭ ‬نلتقي‭.‬