لا يا قلم

| د.حورية الديري

يأتي‭ ‬الطيف‭ ‬وترنو‭ ‬العين،‭ ‬برهات‭ ‬فيصحو‭ ‬القلب،‭ ‬وتعلو‭ ‬صرخات‭ ‬من‭ ‬ألم،‭ ‬لا‭ ‬يا‭ ‬قلم‭... ‬أتكتب‭ ‬ويأتي‭ ‬الحبر‭ ‬منسدلا‭!! ‬لم‭ ‬هذا‭ ‬الوجع؟‭ ‬لحظات‭ ‬يا‭ ‬عين‭.. ‬فالقلم‭ ‬هنا‭ ‬يشاطرني‭ ‬كي‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬صيحات‭ ‬الألم،‭ ‬لي‭ ‬أحباب‭ ‬قد‭ ‬رحلوا،‭ ‬فجاء‭ ‬الشوق‭ ‬منهمرا‭ ‬يسائل‭.. ‬ألا‭ ‬من‭ ‬حل‭ ‬للقلم؟‭ ‬الحالُ‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬ينسجم،‭ ‬إذا‭ ‬في‭ ‬الحالِ‭ ‬يلتحم،‭ ‬فدارَ‭ ‬الشوقُ‭ ‬مبتعدًا‭ ‬مؤكدًا‭ ‬حالهُ‭ ‬السقم‭.‬

آه‭ ‬يا‭ ‬قلب،‭ ‬وآه‭ ‬يا‭ ‬عين،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬صعب‭ ‬يشبهه‭ ‬رحيل‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬ذا‭ ‬الروح‭.. ‬تلك‭ ‬اليد،‭ ‬ذاك‭ ‬الصوت،‭ ‬ذاك‭ ‬القلب،‭ ‬فلا‭ ‬بسمات‭ ‬ولا‭ ‬نسمات‭ ‬تراوده،‭ ‬سوى‭ ‬ذكرى‭ ‬لا‭ ‬تشبعه‭. ‬فكيف‭ ‬الحال‭ ‬بعدهم؟‭ ‬سوى‭ ‬أنك‭ ‬ممتحن‭!‬

إلى‭ ‬أرواح‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬أرواحنا‭ ‬هيما،‭ ‬بها‭ ‬آهات،‭ ‬بها‭ ‬غصات،‭ ‬بها‭ ‬همٌ‭ ‬مختزن،‭ ‬إليك‭ ‬رسائلي‭ ‬جما،‭ ‬وسيبقى‭ ‬عهدي‭ ‬لكم،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬يناظركم‭.. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬موعد،‭ ‬فأكتبها‭ ‬تفاصيلي‭ ‬كي‭ ‬تروي‭ ‬الشوق‭ ‬المنكسر،‭ ‬وتهدي‭ ‬عبراتها‭ ‬رسمًا‭ ‬عبقًا،‭ ‬حبًا،‭ ‬دعاءً‭.. ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬يرحمكم‭ ‬ويرفعكم‭. ‬

ولكن،‭ ‬إنها‭ ‬رحلة‭ ‬القدر،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬هادٍ‭ ‬غير‭ ‬الله‭ ‬يشفي‭ ‬الروح،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬به‭ ‬ألم،‭ ‬فمهما‭ ‬جال‭ ‬بنا‭ ‬الألم،‭ ‬فراق‭ ‬الأم‭ ‬لا‭ ‬يندمل‭.. ‬سيبقى‭ ‬الحلم‭ ‬المرتسم‭. ‬تلازمنا‭ ‬ملامحها،‭ ‬أرويها‭ ‬بكل‭ ‬أسى،‭ ‬منذ‭ ‬هبت‭ ‬برحيلها،‭ ‬ولم‭ ‬تثنها‭ ‬آلامها‭ ‬وعيناها‭ ‬تلازمني،‭ ‬وزفت‭ ‬بصمت‭ ‬خافت‭ ‬اللون،‭ ‬جل‭ ‬آمالها‭... ‬صاغتها‭ ‬ملامحها‭.. ‬وفي‭ ‬قلبي‭ ‬أحملها‭ ‬وسأسعى‭ ‬بها‭ ‬عملا‭.‬

واليوم،‭ ‬أهديكم‭ ‬إخوتي‭ ‬زفرات‭ ‬عبيرها‭ ‬الحب،‭ ‬كي‭ ‬ترفع‭ ‬بها‭ ‬مقامكم‭ ‬أينما‭ ‬أنتم،‭ ‬فكل‭ ‬منا‭ ‬يعيش‭ ‬أدق‭ ‬تفاصيل‭ ‬الامتحان‭ ‬الذي‭ ‬يضعنا‭ ‬الله‭ ‬فيه‭ ‬لمجاراة‭ ‬الحوار‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭ ‬كي‭ ‬نفهم‭ ‬لغة‭ ‬العيون‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬يصعب‭ ‬تحمله،‭ ‬فكم‭ ‬منكم‭ ‬الآن‭ ‬يشاطرني‭ ‬حالة‭ ‬السقم‭ ‬وأضناه‭ ‬الشوق‭ ‬لأحدهم؟‭ ‬قلبوا‭ ‬أوراقكم‭ ‬وهبوا‭ ‬لتحقيق‭ ‬آمال‭ ‬ورغبات‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬لكم‭ ‬سلوى‭ ‬وأملا،‭ ‬ولا‭ ‬تتوقفوا‭ ‬عن‭ ‬محاورتهم‭ ‬ورسم‭ ‬أمنيات‭ ‬كانوا‭ ‬يترقبونها‭ ‬ومازالوا‭.‬

فلن‭ ‬يبتعد‭ ‬مبسمكم‭ ‬حتى‭ ‬يزيل‭ ‬ما‭ ‬يصنعه‭ ‬ألم‭ ‬الفراق‭ ‬من‭ ‬حزن‭ ‬يلازمكم،‭ ‬فتدركون‭ ‬معه‭ ‬حكمة‭ ‬الخالق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يلهمكم‭ ‬طاقة‭ ‬الصبر،‭ ‬هو‭ ‬امتحان‭ ‬ما‭ ‬أصعبه‭.. ‬فراق‭ ‬الأم‭ ‬والأب‭ ‬وكل‭ ‬عزيز‭ ‬لديكم،‭ ‬لا‭ ‬يعادله‭ ‬امتحان،‭ ‬ومهما‭ ‬طال‭ ‬بكم‭ ‬الشوق‭ ‬بعدها‭ ‬ستنعمون‭ ‬بالرضا‭ ‬التام‭ ‬عما‭ ‬قدمت‭ ‬أيديكم‭ ‬وحتمًا‭ ‬تستطيعون‭ ‬الكثير،‭ ‬وحفظ‭ ‬الله‭ ‬أمهاتكم‭ ‬وآباءكم‭ ‬الأحياء‭ ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬موتانا‭ ‬وموتاكم‭.‬