ستة على ستة

عودة إسماعيل يس في الطيران

| عطا السيد الشعراوي

هو‭ ‬فيلم‭ ‬مصري‭ ‬عرض‭ ‬نهاية‭ ‬خمسينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬للممثل‭ ‬الكوميدي‭ ‬الأشهر‭ ‬آنذاك‭ ‬إسماعيل‭ ‬ياسين،‭ ‬وتدور‭ ‬أحداثه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬كوميدي‭ ‬حول‭ ‬توأمين‭ ‬أحدهما‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬لكنه‭ ‬ينتحل‭ ‬شخصية‭ ‬أخيه‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬طيارًا‭ ‬ليفوز‭ ‬بقلب‭ ‬محبوبته،‭ ‬ليعرض‭ ‬حياته‭ ‬وحياة‭ ‬الآخرين‭ ‬لمخاطر‭ ‬جمة‭ ‬لجهله‭ ‬بهذه‭ ‬المهنة‭ ‬الدقيقة‭ ‬والخطيرة‭.‬

هذا‭ ‬الإطار‭ ‬الكوميدي‭ ‬والخيالي‭ ‬للفيلم‭ ‬انتقل‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬عامًا‭ ‬لأرض‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬باكستان،‭ ‬حيث‭ ‬صرح‭ ‬وزير‭ ‬الطيران‭ ‬غلام‭ ‬ساروار‭ ‬خان‭ ‬بأن‭ ‬بلاده‭ ‬فصلت‭ ‬262‭ ‬طيارا‭ ‬شهاداتهم‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬مزورة،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬تقرير‭ ‬حول‭ ‬تحطم‭ ‬الطائرة‭ ‬التابعة‭ ‬للخطوط‭ ‬الباكستانية‭ (‬بيا‭) ‬في‭ ‬22‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭ ‬فوق‭ ‬منازل‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬مطار‭ ‬كراتشي‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬كل‭ ‬ركاب‭ ‬الطائرة‭ ‬باستثناء‭ ‬شخصين‭ ‬فقط‭ (‬97‭ ‬شخصا‭)‬،‭ ‬وتدمير‭ ‬نحو‭ ‬29‭ ‬منزلا،‭ ‬نتيجة‭ ‬خطأ‭ ‬للطيار‭ ‬ومساعده‭ ‬اللذين‭ ‬كانا‭ ‬يتناقشان‭ ‬بشأن‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬ولم‭ ‬يتبعا‭ ‬القواعد‭ ‬المعيارية‭ ‬أثناء‭ ‬محاولتهما‭ ‬الهبوط‭ ‬بطائرة‭ ‬الأيرباص‭ ‬أيه‭-‬320‭ ‬ثم‭ ‬فصلا‭ ‬برنامج‭ ‬الطيار‭ ‬الآلي‭ ‬عن‭ ‬الطائرة‭.‬

تقرير‭ ‬الحادث‭ ‬يعطينا‭ ‬انطباعًا‭ ‬وكأننا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬إسماعيل‭ ‬يس‭ ‬جديد‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬طيارًا‭ ‬بأية‭ ‬طريقة‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬عرض‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين‭ ‬للخطر،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬الطائرة‭ ‬تحلق‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬الارتفاع‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحلق‭ ‬عليه‭ ‬حين‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬الهبوط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إنزال‭ ‬المعدات‭ ‬الخاصة‭ ‬بذلك،‭ ‬كما‭ ‬تجاهل‭ ‬الطياران‭ ‬ومراقب‭ ‬الملاحة‭ ‬الجويّة‭ ‬إجراءات‭ ‬الطيران‭ ‬المعيارية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬لفشل‭ ‬عملية‭ ‬الهبوط‭ ‬التي‭ ‬ألحقت‭ ‬أضرارًا‭ ‬جسيمة‭ ‬بمحركات‭ ‬الطائرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬صالحة‭ ‬تماما‭ ‬للتحليق‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬تقني،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬مليئة‭ ‬بالأخطاء‭ ‬البشرية‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬الشهادات‭ ‬المزورة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مثار‭ ‬حديث‭ ‬وجدل‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬دولة‭ ‬بعينها‭ ‬وأنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬عامة‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬كثيرة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬المجالات‭ ‬النظرية،‭ ‬إنما‭ ‬يتسع‭ ‬مداها‭ ‬للنواحي‭ ‬العملية‭ ‬ولمهن‭ ‬دقيقة‭ ‬وخطيرة‭ ‬تمس‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬وأرواحهم،‭ ‬وهنا‭ ‬تكون‭ ‬القضية‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬ومدعاة‭ ‬للحسم‭ ‬والسرعة‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬ومعالجتها‭ ‬معالجة‭ ‬جذرية‭.‬