الضرورة تتطلب التزاوج بين البنوك

| د. عبدالقادر ورسمه

تواجه‭ ‬البنوك‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬مرحلة‭ ‬صعبة‭ ‬نظرا‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب،‭ ‬منها‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬عطلت‭ ‬الأعمال‭ ‬لحد‭ ‬كبير‭ ‬وأتت‭ ‬بضبابية‭ ‬تحتاج‭ ‬لوقت‭ ‬لانقشاعها‭ ‬وتجاوز‭ ‬مآلاتها‭. ‬والمصائب‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬فرادى،‭ ‬إذ‭ ‬أتت‭ ‬أزمة‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬البترول‭ ‬وما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬الدول‭ ‬وحساباتها‭ ‬في‭ ‬البنوك‭ ‬وعلى‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬وهذا‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬وللدرجة‭ ‬التي‭ ‬تجفف‭ ‬موارد‭ ‬شركات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬والأعمال‭ ‬الخاصة‭ ‬وتجعلها‭ ‬خاملة‭ ‬خالية‭ ‬الوفاض‭. ‬إضافة‭ ‬لهذا،‭ ‬فإن‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬سيؤثر‭ ‬أيضا‭ ‬ولحد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التعاملات‭ ‬المصرفية‭ ‬والإقراض‭ ‬والتمويل‭. ‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬مجتمعة‭ ‬لها‭ ‬انعكاسات‭ ‬وآثار‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬المصرفي،‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬ضرورة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الحلول‭ ‬العاجلة‭ ‬والآجلة‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد‭. ‬وبالطبع،‭ ‬غني‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬غير‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬وبدرجات‭ ‬متفاوتة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تتأثر‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬البنوك‭ ‬أينما‭ ‬كانت‭. ‬

إن‭ ‬مدى‭ ‬تأثر‭ ‬كل‭ ‬بنك‭ ‬بهذه‭ ‬الظروف،‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬نذكر‭ ‬مثلا،‭ ‬حجم‭ ‬البنك‭ ‬وقوة‭ ‬ملاءته‭ ‬المالية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬احتياطات‭ ‬نقدية‭ ‬وضمانات‭ ‬وغيرها،‭ ‬إضافة‭ ‬لنوعية‭ ‬وحجم‭ ‬تعاملات‭ ‬البنك‭ ‬المصرفية‭ ‬اليومية‭ ‬سواء‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬البينية‭ ‬أو‭ ‬الخارجية‭ ‬وكذلك‭ ‬القيمة‭ ‬السوقية‭ ‬للبنك‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المال‭. ‬لذلك،‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬البنك‭ ‬صغير‭ ‬الحجم‭ ‬ورأسماله‭ ‬قليل‭ ‬وبالتالي‭ ‬ملاءته‭ ‬المالية‭ ‬تكون‭ ‬هشة‭ ‬وليست‭ ‬قوية،‭ ‬فإن‭ ‬تأثره‭ ‬بالظروف‭ ‬الراهنة‭ ‬وغيرها‭ ‬سيكون‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬ينعكس‭ ‬عليه‭ ‬سلبا‭ ‬ويؤثر‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬نواحٍ‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استمراره‭ ‬ووجوده‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬السوق‭.‬

ولتلافي‭ ‬الوضع‭ ‬والاستعداد‭ ‬لما‭ ‬يحدث،‭ ‬لابد‭ ‬لمسؤولي‭ ‬البنوك‭ ‬التفكير‭ ‬الجاد‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة‭ ‬وقيادة‭ ‬السفينة‭ ‬بأمان‭ ‬لبر‭ ‬الأمان،‭ ‬وهذه‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬لها‭ ‬أبعادها‭ ‬لكن‭ ‬الأمانة‭ ‬تقتضي‭ ‬تحملها‭ ‬بشجاعة‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المناسب‭ ‬الآن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬“التزاوج”‭ ‬بين‭ ‬البنوك‭ ‬عبر‭ ‬الاندماجات‭ ‬والاستحواذات‭ ‬والتملك‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬البدائل،‭ ‬ينظمها‭ ‬القانون‭ ‬ويبين‭ ‬تفاصيل‭ ‬القيام‭ ‬بها‭. ‬ولكن،‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬المرصوصة‭ ‬في‭ ‬الأدراج‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬عزيمة‭ ‬الرجال‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جريئة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الكرسي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬تتطلب‭ ‬تغيير‭ ‬المواقع‭ ‬والإتيان‭ ‬بوجوه‭ ‬جديدة‭ ‬وتغيير‭ ‬المواقع‭.‬

هذه‭ ‬الخطوات،‭ ‬إذا‭ ‬تمت،‭ ‬ستخلق‭ ‬كيانات‭ ‬جديدة‭ ‬برؤوس‭ ‬أموال‭ ‬كبيرة‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬الانطلاق‭ ‬وتوسيع‭ ‬الأعمال‭ ‬والنشاطات‭ ‬المصرفية‭ ‬مع‭ ‬المنافسة‭ ‬المهنية‭ ‬لأخذ‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬كيكة‭ ‬السوق‭ ‬والانطلاق‭ ‬لآفاق‭ ‬أرحب‭ ‬وأوسع‭. ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬السلطات‭ ‬الرسمية‭ ‬والرقابية‭ ‬ضروري‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمنح‭ ‬الحوافز‭ ‬وكافة‭ ‬التسهيلات‭ ‬لاكتمال‭ ‬هذا‭ ‬“التزاوج”‭ ‬الطوعي‭ ‬والتبشير‭ ‬أو‭ ‬الترحيب‭ ‬به‭. ‬والدور‭ ‬“القيادي”‭ ‬هام‭ ‬لتشجيع‭ ‬خطوات‭ ‬لم‭ ‬الشمل‭ ‬والتكامل‭ ‬لخلق‭ ‬كيانات‭ ‬مصرفية‭ ‬قوية،‭ ‬تأتي‭ ‬أُكلها‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬حين‭. ‬ولنفعلها‭ ‬لنرتقي‭ ‬بأنفسنا‭ ‬وبمهنيتنا‭.‬