الهاتف الخَلوي يُربيهم!

| هدى حرم

عندما‭ ‬كنا‭ ‬صغارًا‭ ‬كان‭ ‬البيتُ‭ ‬يُربينا‭ ‬والشارعُ‭ ‬يُهذبُنا‭ ‬والمجتمعُ‭ ‬يعتني‭ ‬بصلاتنا‭ ‬وأخلاقنا،‭ ‬كنا‭ ‬نهرعُ‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬الواقعِ‭ ‬في‭ ‬آخرِ‭ ‬القرية،‭ ‬علَّنا‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬تحفةٍ‭ ‬نفيسةٍ‭ ‬من‭ ‬الإمام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجتهدُ‭ ‬في‭ ‬تحفيزِنا‭ ‬على‭ ‬تعلمِ‭ ‬الصلاة‭ ‬والحفظ،‭ ‬نشأْنا‭ ‬لمْ‭ ‬يُفسدنا‭ ‬التلفازُ‭ ‬أو‭ ‬الراديو،‭ ‬بل‭ ‬شكَّلَ‭ ‬فِكرَنا‭ ‬وصقلَ‭ ‬شخصياتنا،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وقد‭ ‬اقتصرتْ‭ ‬قنواتُهُ‭ ‬على‭ ‬ثلاثِ‭ ‬محطاتٍ‭ ‬نحفظُ‭ ‬أرقامَها‭ ‬ومسلسلاتٍ‭ ‬ذاتِ‭ ‬قيمة‭ ‬علمَّتنا‭ ‬دروسًا‭ ‬وعِبَر‭.‬

في‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬نجدُ‭ ‬أنفسَنا‭ ‬عاجزينَ‭ ‬أمامَ‭ ‬هذا‭ ‬الكمِ‭ ‬الهائلِ‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الذي‭ ‬يتعاملُ‭ ‬معه‭ ‬فلذاتُ‭ ‬أكبادِنا،‭ ‬حتى‭ ‬باتَ‭ ‬الهاتفُ‭ ‬الخلوي‭ ‬في‭ ‬يدِ‭ ‬الصغيرِ‭ ‬والكبير،‭ ‬وإذا‭ ‬كنا‭ ‬سابقًا‭ ‬نتحكمُ‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬الحاسوب‭ ‬الوحيدِ‭ ‬بالمنزل،‭ ‬فنُراقبَ‭ ‬أطفالنا‭ ‬وأبناءَنا‭ ‬المراهقين‭ ‬وهم‭ ‬يستخدمونه‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا؛‭ ‬فكيف‭ ‬لنا‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التفجُّر‭ ‬الصناعي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬أنْ‭ ‬نُراقبَ‭ ‬هواتفهم‭ ‬النقالةَ‭ ‬الزاخرةَ‭ ‬بالبرامجِ‭ ‬والمزايا‭ ‬والبلايا،‭ ‬وقد‭ ‬أحكموا‭ ‬إغلاقها‭ ‬برقمٍ‭ ‬سري‭. ‬ضغطةٌ‭ ‬واحدة‭ ‬قد‭ ‬تفتحُ‭ ‬عالمًا‭ ‬من‭ ‬القذارةِ‭ ‬والدنو‭ ‬الأخلاقي‭ ‬أمام‭ ‬الطفلِ‭ ‬والمراهق،‭ ‬وقد‭ ‬يقعُ‭ ‬في‭ ‬وُحولِ‭ ‬التحرشِ‭ ‬والابتزاز‭ ‬وإساءةِ‭ ‬المعاملة‭ ‬دون‭ ‬أنْ‭ ‬يعلمَ‭ ‬الأبوان‭ ‬بذلك،‭ ‬فهل‭ ‬الخللُ‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬أمْ‭ ‬في‭ ‬التربية؟‭ ‬ولِمَ‭ ‬قد‭ ‬نلومُ‭ ‬الوالدين‭ ‬على‭ ‬الدوام؛‭ ‬فقد‭ ‬يكونا‭ ‬مثالًا‭ ‬يُحتذى،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الأبناء‭ ‬اتخذوا‭ ‬لهم‭ ‬مربٍ‭ ‬آخرَ‭ ‬يُربيهم‭ ‬عوضًا‭ ‬عن‭ ‬آبائِهم؟

الأرجنتين‭ ‬هذه‭ ‬الدولةُ‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تدينُ‭ ‬بالإسلام‭ ‬كانت‭ ‬تلجأُ‭ ‬إلى‭ ‬حبسِ‭ ‬مُراهقيها‭ ‬المتأمركينَ‭ ‬المتمثلينَ‭ ‬بالغرب؛‭ ‬فيضعونهم‭ ‬في‭ ‬غرفِ‭ ‬عزلٍ‭ ‬انفراديةٍ‭ ‬خاليةٍ‭ ‬من‭ ‬أيٍ‭ ‬من‭ ‬وسائلِ‭ ‬التواصلِ‭ ‬مع‭ ‬العالم؛‭ ‬حتى‭ ‬يعودوا‭ ‬عن‭ ‬تقليدهم‭ ‬للغرب‭ ‬لدينهم‭ ‬وثقافتهم‭ ‬الأصيلة‭. ‬ونحن‭ ‬الذين‭ ‬ندينُ‭ ‬بدينِ‭ ‬محمدٍ‭ (‬ص‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬أرسلَ‭ ‬ليُتمِمَ‭ ‬مكارمَ‭ ‬الأخلاق،‭ ‬ونؤمن‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يغادر‭ ‬صغيرةً‭ ‬ولا‭ ‬كبيرةً‭ ‬إلا‭ ‬أحصاها؛‭ ‬فنظَّمَ‭ ‬لنا‭ ‬شؤون‭ ‬حياتنا‭ ‬وسلوكنا‭ ‬تجاهَ‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬نتعاملُ‭ ‬لا‭ ‬بقوانينِ‭ ‬الكتابِ‭ ‬الشريف،‭ ‬بل‭ ‬بقوانين‭ ‬غربية‭ ‬فضفاضة‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬لا‭ ‬تتناسبُ‭ ‬وقياساتِ‭ ‬بيئتنا‭ ‬وشريعتِنا‭ ‬الغرّاء‭. ‬لِمَ‭ ‬نكن‭ ‬نحن‭ ‬المسلمون‭ ‬متساهلونَ‭ ‬مع‭ ‬أبنائنا‭ ‬لهذه‭ ‬الدرجة؟‭! ‬وقبل‭ ‬ضياعِ‭ ‬أبنائنا‭ ‬أكثر،‭ ‬ماذا‭ ‬يجبُ‭ ‬علينا‭ ‬أنْ‭ ‬نفعل،‭ ‬هل‭ ‬نتخذ‭ ‬موقفًا‭ ‬حازمًا،‭ ‬أم‭ ‬نقفُ‭ ‬على‭ ‬ناصيةِ‭ ‬الطريق‭ ‬نندبُ‭ ‬ضياعَ‭ ‬الدينِ‭ ‬والأخلاقِ‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا؟‭.‬