من جديد

في رثاء الكتابة

| د. سمر الأبيوكي

نحن‭ ‬ننتصر‭ ‬في‭ ‬كلماتنا‭ ‬أو‭ ‬خيالنا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ننتصر‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬لذا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬الكُتاب‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعل،‭ ‬ومن‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬يتغنى‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يعهد،‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربي‭ ‬وهم‭ ‬قلة،‭ ‬وليست‭ ‬العلة‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬لكن‭ ‬العلة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬لوجدان‭ ‬الآخر‭ ‬ومشاعره،‭ ‬وآثرت‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬بسلبيات‭ ‬الكتاب‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يظن‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬تمجيدا‭ ‬لزملاء‭ ‬المهنة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬متنفسا‭ ‬رائعا‭ ‬لأحلامنا‭ ‬وأفكارنا‭ ‬ورؤى‭ ‬المستقبل‭ ‬المشرق،‭ ‬قليل‭ ‬منا‭ ‬يرجع‭ ‬للكتب‭ ‬ليستشرف‭ ‬المستقبل،‭ ‬فأفكار‭ ‬الخلق‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬معينة‭ ‬تحكي‭ ‬لنا‭ ‬صعوبات‭ ‬الفترة‭ ‬ومزاياها‭ ‬وتقص‭ ‬علينا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نعشه‭ ‬أبدا‭.‬

لذلك‭ ‬كانت‭ ‬لكتب‭ ‬قدماء‭ ‬علماء‭ ‬العرب‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬وخارطة‭ ‬طريق‭ ‬وتفاصيل‭ ‬تحكى‭ ‬بأقلامهم‭ ‬في‭ ‬كتبهم‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬وأدب‭ ‬وحضارة،‭ ‬وياليتني‭ ‬عشت‭ ‬بينهم،‭ ‬فكل‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬حولنا‭ ‬أنستنا‭ ‬القراءة‭ ‬وفضلها‭ ‬وبات‭ ‬الجميع‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬واد،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬له‭ ‬أحد،‭ ‬أنا‭ ‬أرثي‭ ‬حال‭ ‬الكتابة‭ ‬كما‭ ‬أرثي‭ ‬حال‭ ‬القراءة،‭ ‬كلاهما‭ ‬ضاع‭ ‬وسط‭ ‬فوضى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجميع،‭ ‬الكل‭ ‬يكتب‭ ‬والكل‭ ‬لا‭ ‬يقرأ،‭ ‬فلا‭ ‬نعلم‭ ‬نحن‭ ‬نكتب‭ ‬لمن‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬لنا‭.‬

 

أية‭ ‬حسرة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬خلفتها‭ ‬حياتنا‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة‭ ‬وسهولة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬لوحة‭ ‬المفاتيح،‭ ‬والأدهى‭ ‬الزخم‭ ‬الإعلامي‭ ‬الموجود‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فالكل‭ ‬الآن‭ ‬كَتبة‭ ‬ومفكرون‭ ‬وحاملو‭ ‬أقلام‭ ‬دون‭ ‬ذائقة‭ ‬تذكر‭! ‬نعم‭ ‬ولا‭ ‬أستثني‭ ‬نفسي‭ ‬أو‭ ‬غيري‭ ‬لكنني‭ ‬غالبا‭ ‬أتساءل‭ ‬أهناك‭ ‬من‭ ‬يقرأ؟‭ ‬وسط‭ ‬كم‭ ‬المواضيع‭ ‬والمشاكل‭ ‬والحلول‭ ‬أهناك‭ ‬من‭ ‬يعي؟‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬تبدل‭ ‬كثيرا‭ ‬عما‭ ‬تربينا‭ ‬عليه،‭ ‬مازالت‭ ‬كتب‭ ‬العقاد‭ ‬والمنفلوطي‭ ‬ورحلة‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭ ‬في‭ ‬مكتبتي،‭ ‬مازلت‭ ‬أذكر‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬قرأتها،‭ ‬مازالت‭ ‬مشاهد‭ ‬وفصول‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬تمر‭ ‬أمامي،‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬وعلومه،‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير،‭ ‬أين‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الجم؟‭ ‬وسط‭ ‬إصدارات‭ ‬بعضها‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تغريدات‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬إنني‭ ‬أرثي‭ ‬حال‭ ‬الكتابة‭ ‬والقراءة‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬بات‭ ‬الكل‭ ‬يكتب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬له‭ ‬أحد‭.‬