ما وراء الحقيقة

سارقوا التاريخ... سرقة الخلافة

| د. طارق آل شيخان الشمري

السرقات‭ ‬كثيرة‭ ‬يسلبها‭ ‬السارقون‭ ‬من‭ ‬أصحابها‭ ‬للتمتع‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬نسبها‭ ‬لأنفسهم‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬العثمانيون،‭ ‬فتارة‭ ‬يقولون‭ ‬إنهم‭ ‬تتار،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬يقولون‭ ‬إنهم‭ ‬مغول،‭ ‬وآخرون‭ ‬يؤكدون‭ ‬أنهم‭ ‬قوقاز،‭ ‬وفريق‭ ‬رابع‭ ‬يستخلص‭ ‬بأنهم‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬عرقيات‭ ‬مختلفة‭ ‬لا‭ ‬تربطهم‭ ‬عرقية‭ ‬الدم‭ ‬والمنبع،‭ ‬وهكذا،‭ ‬فإن‭ ‬جل‭ ‬المؤرخين‭ ‬وعلماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬وباحثي‭ ‬العرقيات‭ ‬اختلفوا‭ ‬في‭ ‬أصل‭ ‬وفصل‭ ‬ومنبع‭ ‬العثمانيين،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إنهم‭ ‬سلاجقة‭ ‬فأيضا‭ ‬السؤال‭ ‬سيعود‭ ‬وهو‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬السلاجقة‭ ‬هم‭ ‬أجداد‭ ‬العثمانيين،‭ ‬فما‭ ‬أصل‭ ‬السلاجقة‭ ‬ومنبعهم؟‭ ‬والرد‭ ‬سيكون‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬وهو‭ ‬اختلاف‭ ‬المؤرخين‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تتار‭ ‬ومغول‭ ‬وقوقاز‭ ‬وخليط‭ ‬عرقي‭. ‬

لهذا،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬القبائل‭ ‬المشكوك‭ ‬في‭ ‬أصلها‭ ‬ومنبعها‭ ‬انتسبت‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬اسمه‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬أرطغرل،‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬حفيد‭ ‬لقبائل‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أصلها‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬وقاموا‭ ‬بتأسيس‭ ‬عرق‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬وشتات‭ ‬رومان‭ ‬وبلغار‭ ‬وأرمن‭ ‬ومشردين‭ ‬يونانيين‭ ‬وغجر‭ ‬رومان‭ ‬وكونوا‭ ‬شعبا‭ ‬أسموه‭ ‬“العثمانيين”،‭ ‬وقاموا‭ ‬بتأريخ‭ ‬تاريخهم‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬عام‭ ‬فقط،‭ ‬ويتحاشون‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬تتبع‭ ‬أصلهم‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭.‬

ولم‭ ‬يكتف‭ ‬هؤلاء‭ ‬العثمانيون‭ ‬بسرقة‭ ‬الأعراق،‭ ‬بل‭ ‬سرقوا‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أي‭ ‬خلافة‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬ونسبوها‭ ‬لأنفسهم،‭ ‬حتى‭ ‬يضفوا‭ ‬على‭ ‬عرقهم‭ ‬غير‭ ‬المعروف‭ ‬طابع‭ ‬الشرعية،‭ ‬سواء‭ ‬شرعية‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬شرعية‭ ‬إسلامية‭. ‬ومصطلح‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ - ‬وأسسه‭ - ‬ينبني‭ ‬على‭ ‬نقطتين‭ ‬هما‭ ‬أن‭ ‬خلافة‭ ‬دولة‭ ‬الرسول‭ ‬لا‭ ‬تجوز‭ ‬إلا‭ ‬بالعرب‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬قريش،‭ ‬فبعد‭ ‬اجتماع‭ ‬الأوس‭ ‬والخزرج‭ ‬والأنصار‭ ‬لاختيار‭ ‬خليفة‭ ‬للرسول‭ ‬منهم،‭ ‬تراجعوا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لأنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬قريش،‭ ‬وتم‭ ‬اختيار‭ ‬الخلفاء‭ ‬الخمسة‭ ‬وكلهم‭ ‬من‭ ‬قريش‭. ‬والنقطة‭ ‬الثانية‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬الدولة‭ ‬الأموية‭ ‬والعباسية‭ ‬وكلتاهما‭ ‬من‭ ‬قريش‭ ‬لا‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬لقب‭ ‬خلافة،‭ ‬لأن‭ ‬الخلافة‭ ‬انتهت‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تنازل‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬جده‭ ‬وآل‭ ‬بيته‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬لمعاوية‭.‬

لهذا،‭ ‬فإن‭ ‬العثمانيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يؤكد‭ ‬أحد‭ ‬أصلهم‭ ‬ومنبعهم‭ ‬لم‭ ‬يكتفوا‭ ‬بسرقة‭ ‬الأعراق،‭ ‬بل‭ ‬سرقوا‭ ‬خلافة‭ ‬دولة‭ ‬الرسول‭ ‬ونصبوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬خلفاء‭ ‬لها،‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬واضحة‭ ‬تماما‭ ‬كالبلطجي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬له‭ ‬أصل‭ ‬وفصل،‭ ‬ويوهم‭ ‬الناس‭ ‬بتدينه،‭ ‬حتى‭ ‬يركزوا‭ ‬على‭ ‬تدينه‭ ‬وينسوا‭ ‬بلطجيته،‭ ‬وللسرقات‭ ‬بقية‭ ‬سنكشفها‭ ‬لاحقا‭.‬