شفرة الخلاص... طرح علمي

| د. ندى أحمد الحساوي

عندما‭ ‬قدم‭ ‬العالم‭ ‬الفيزيائي‭ ‬ألبرت‭ ‬آينشتاين‭ ‬للعالم‭ ‬معادلته‭ ‬الشهيرة‭ ‬“الطاقة‭ ‬تساوي‭ ‬الكتلة‭ ‬ضرب‭ ‬مربع‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء”،‭ ‬كان‭ ‬بهذا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬وضّح‭ ‬علاقة‭ ‬الطاقة‭ ‬بالمادة‭ ‬بشكل‭ ‬رياضي،‭ ‬حيث‭ ‬إنّ‭ ‬تلك‭ ‬المعادلة‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬المنطلقة‭ ‬بسرعة‭ ‬هي‭ ‬مربع‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬تجتاز‭ ‬السقف‭ ‬المادي‭ ‬لتعود‭ ‬إلى‭ ‬الأصل‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬تلك‭ ‬المادة،‭ ‬وكأن‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬الحد‭ ‬الفاصل‭ ‬لذلك‭ ‬الاجتياز‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬المادة‭ ‬المرئي‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬الطاقة‭ ‬المعلوماتي‭ ‬اللامرئي،‭ ‬والذي‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬“الفيزياء‭ ‬الكمية”،‭ ‬أي‭ ‬أنّ‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬طاقة‭ ‬معلومات‭ ‬مادة‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬حيّز‭ ‬التجسيد‭ ‬المادي‭ ‬تكثيفا‭ ‬تدريجيا‭ ‬لتلك‭ ‬الطاقة‭ ‬لتظهر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مادة‭ ‬وفق‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬وعلى‭ ‬نظم‭ ‬وقوانين‭ ‬الطبيعة‭ ‬الكامنة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬المعلوماتي‭ ‬الكوني‭.‬

تلك‭ ‬المادة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يجسده‭ ‬خيال‭ ‬الإنسان‭ ‬المعمّر‭ ‬عندما‭ ‬يكتشف‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تعمير‭ ‬الأرض،‭ ‬ذلك‭ ‬الاكتشاف‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانتباه‭ ‬لما‭ ‬يحيط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أشياء‭ ‬ولما‭ ‬يجلب‭ ‬اهتمامه‭ ‬دون‭ ‬إكراه‭ ‬أو‭ ‬تصنّع،‭ ‬وبعد‭ ‬هذا‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يدير‭ ‬عقله‭ ‬ليكون‭ ‬ذلك‭ ‬العقل‭ ‬خادما‭ ‬أمينا‭ ‬وقرينا‭ ‬مطيعا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تفعيل‭ ‬ذلك‭ ‬الدور‭ ‬المعني‭ ‬بخلق‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان،‭ ‬أي‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬الذاتية‭ ‬غير‭ ‬المشروطة‭ ‬برضا‭ ‬الآخرين‭.‬

بممارسة‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬يحيى‭ ‬الإنسان‭ ‬بين‭ ‬التحدي‭ ‬والإنجاز،‭ ‬فيكون‭ ‬متوازنا‭ ‬في‭ ‬الطاقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يكون‭ ‬متوازيا‭ ‬شعوريا‭ ‬أو‭ ‬انفعاليا،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لسرعة‭ ‬الضوء‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها‭ ‬أعلاه،‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬السرعة‭ ‬هي‭ ‬حاصل‭ ‬قسمة‭ ‬المسافة‭ ‬على‭ ‬الزمن،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬للضوء‭ ‬299‭,‬792‭,‬458‭ ‬مترا‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬الواحدة،‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬لا‭ ‬زمن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتلك‭ ‬المسافة‭ ‬العالية‭ ‬جدا،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬اللازمن‭ ‬يكون‭ ‬عنده‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تجل‭ ‬وانطلاق‭ ‬وإبداع‭ ‬في‭ ‬قيمته‭ ‬العليا‭ ‬الذاتية،‭ ‬لأنه‭ ‬يكون‭ ‬محلّقا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الطاقة‭ ‬وحقل‭ ‬المعلومات‭ ‬المفتوح،‭ ‬يلتقط‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان‭ ‬إحدى‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬أو‭ ‬الأفكار‭ ‬المقرونة‭ ‬بقيمته‭ ‬العليا،‭ ‬فيحيل‭ ‬ذلم‭ ‬لعمل‭ ‬مخلّد‭ ‬صالح‭ ‬لخدمة‭ ‬البشرية‭.‬

 

إنّ‭ ‬ما‭ ‬يركّز‭ ‬عليه‭ ‬معظم‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬يستهلك‭ ‬كل‭ ‬طاقتهم‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يشعرون‭! ‬فتضيع‭ ‬طاقاتهم‭ ‬هباء،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬يفعّل‭ ‬الإنسان‭ ‬ما‭ ‬يحيى‭ ‬لأجله،‭ ‬فإنّه‭ ‬يجتاز‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬المادية‭ ‬المدمّرة‭ ‬إلى‭ ‬المشاعر‭ ‬السامية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالحياة‭ ‬والنماء‭ ‬والتطوّر،‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬تكون‭ ‬تحقيقا‭ ‬للسلام‭ ‬المفعّل‭ ‬للإنسانية‭... ‬ذلك‭ ‬الاجتياز‭ ‬للمشاعر‭ ‬المادية‭ ‬ينطلق‭ ‬نحو‭ ‬النعيم‭ ‬والتكامل،‭ ‬الذي‭ ‬يتحقق‭ ‬فقط‭ ‬باتساق‭ ‬القلب‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مكمن‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬بالفص‭ ‬الأمامي‭ ‬من‭ ‬الدماغ،‭ ‬الذي‭ ‬يكوّن‭ ‬الروابط‭ ‬العصبية‭ ‬للعقل‭ ‬الجديد،‭ ‬المربوط‭ ‬بخير‭ ‬ونماء‭ ‬وصحة‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبهذا‭ ‬تكون‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬هي‭ ‬الشفرة‭ ‬الربانية‭ ‬الرحيمة‭. ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التأمّل‭ ‬في‭ ‬الذات‭.‬